بقلم - سليمان جودة
يصل الأمر فى دنيا السياسة إلى حد أن يُقال كلام، ثم يكون القصد على العكس تمامًا مما يحمله الكلام من المعانى.
وهذا يحدث كثيرًا، ويتكرر تقريبًا كل يوم، وأقرب شىء يدل على ذلك هو ما قاله الرئيس الأمريكى جو بايدن، عندما وقّع يوم ٢٤ من هذا الشهر، قانون مساعدات الحلفاء، الذى مرره الكونجرس قبل التوقيع الرئاسى عليه بساعات.
مشروع القانون الذى مرّره الكونجرس خصص ٩٥ مليارًا لثلاث دول، هى إسرائيل وأوكرانيا وتايوان، وكان نصيب إسرائيل وحدها ٢٦ مليارًا.. وقد بقى المشروع شهورًا فى الكونجرس، وكان كلما جاء موعده فى العرض أو فى التمرير تأجل، وكان الرئيس الأوكرانى قد ذهب بنفسه فى زيارة إلى الولايات المتحدة لتحريكه، ولكنه لم ينجح فى مهمته وعاد بلا شىء فى يده.
فماذا بالضبط أدى إلى إخراج مشروع القانون من ثلاجة الكونجرس هذه المرة؟.. أغلب الظن أن الهجوم الذى قامت به إيران على إسرائيل فى ١٣ من الشهر هو الذى أدى إلى ذلك.. ولا يقلل من هذا أن يكون الهجوم قد فشل، فالأهم أنه أثار تعاطفًا مع إسرائيل، والأهم أيضًا أنه أحرج أعضاء الكونجرس، الذين كانوا يقفون فى طريق تمرير مشروع القانون، فخافوا أن يجدوا أنفسهم متهمين بالعداء لإسرائيل أو للسامية كما يُقال فى العادة.
وما إن وقّع بايدن عليه، حتى كان قد خرج إلى الإعلام ليقول إن يوم توقيعه على مشروع القرار هو يوم من أيام السلام العالمى، وإن حزمة المساعدات المقررة للدول الثلاث الحليفة ستجعل العالم أكثر أمنًا.
طبعًا هذا كذب فى كذب، لا لشىء، إلا لأن العالم سيصبح أشد التهابًا، وستزداد فيه الشرور عما كانت عليه قبل التوقيع.. فالمساعدات التى ستحصل عليها إسرائيل ستقتل بها الفلسطينيين، الذين سيردون على عنفها بعنف أوسع.. والمساعدات التى ستحصل عليها أوكرانيا ستحارب بها الروس، الذين سيزدادون توحشًا فى حربهم معها، وسيسقط المزيد من الضحايا على الجانبين، بدلًا من الإنصات إلى مبادرات السلام التى تطرحها روسيا وغير روسيا.. والمساعدات التى ستحصل عليها تايوان ستجعل الصينيين أشد استعدادًا لخوض صراع هناك، وقد سارعوا هم أنفسهم وأعلنوا ذلك بمجرد توقيع مشروع القانون.
خرج بايدن مبتسمًا يزف إلى العالم نبأ التوقيع، وكان وهو يفعل ذلك يعلم بينه وبين نفسه أن عكس ما يقوله بالضبط هو ما سوف نشهده ويشهده أهل الأرض.