بقلم - سليمان جودة
شدد الرئيس أكثر من مرة على ضرورة عدم اللجوء إلى طلب أى قرض خارجى، إلا فى أضيق الحدود، وبشرطين اثنين: أن نكون فى حاجة إلى القرض فعلاً، وأن نكون قادرين على سداده فى موعده!.. وقد كررها رأس الدولة أكثر من مرة، لعل كل مسؤول فى مكانه لا يلجأ إلى القرض، كبديل، إلا مضطراً، وإلا إذا استنفد كل البدائل المحلية.. وما أكثرها!
وقد عاد الرئيس إلى هذه المسألة أكثر من مرة، وفى مناسبات مختلفة.. وأتصور أنه تمنى لو يغلق باب اقتراض الخارج تماماً لو استطاع!
وأتصور أيضاً أن الرئيس كان يفكر بصوت مسموع، فى موضوع فكر فيه رئيس رواندا بصوت مقروء، وهو يُدلى بحوار إلى عدد أخير من مجلة المجلة التى تصدر فى لندن!
إن رواندا ليست فقط دولة أفريقية مثلنا، ولكنها واحدة من دول حوض النيل، ويربطنا بها النهر الخالد، قبل رابطة القارة السمراء.. وهى فوق هذا وذاك.. قطعت أشواطاً خلال السنوات الأخيرة فى تطوير ظروفها الاقتصادية، وفى تحسين أحوال مواطنيها.. وبإمكانات محلية صرفة!.. والذين يتابعون معدلات الأداء العام فيها يعرفون هذا، ويزدادون إعجاباً بما تفعله على أرضها، مُستغنية عن الاقتراض بكل طريقة ممكنة!
قال الرئيس الرواندى بول كاجامى: إذا لم تكن أنت مصدر الأموال التى تسمح لك بأن تفعل ما تريد القيام به، فإن الاعتماد على التمويل الأجنبى سيولد حتماً بعض المشاكل المرتبطة باستقلال القرار!
وقال موضحاً أكثر: وحتى إذا حاولت أن تفعل ما هو صحيح.. بالنسبة لنا فى القارة الأفريقية.. فإنك سوف تكون مُلزماً بالعمل لصالح الداعم المالى، وسوف تكون مُلزماً أيضاً بالقيام بأشياء حسب طلبه، تتعارض مع المبادئ الأخلاقية!
هذا هو كلام رئيس رواندا، ولأنه رئيس دولة، فهو بطبيعة الحال يتكلم بحساب، ويختار ألفاظه بدقة، ويصوغ عباراته فى لغة دبلوماسية ظاهرة.. ولو تكلم هو نفسه.. أو حتى أى رئيس أفريقى عن الموضوع ذاته، بعيداً عن المنصب، فسوف نسمع كلاماً مختلفاً بنسبة مائة فى المائة.. فللمنصب قيود تحكمه، وتحكم الحركة فيه، فما بالك إذا كان المنصب لرئيس جمهورية، وإذا كان يتكلم عن كيانات بحجم البنك الدولى وصندوق النقد؟!
رئيس دولة يتحدث عن عواقب الاقتراض.. وفى هدوء.. ولسان حاله يقول: اسمعوا واحذروا!.. فالمؤسسات التى تمنح قروضاً ليست جمعيات خيرية، ومصالح المقترضين بعيدة المدى ليست على جدول أعمالها!.. مرة ثانية وعاشرة: اسمعوا واحذروا!.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع