بقلم سليمان جودة
أغار جداً على جيش بلدى، وأعتقد أن بيادة أى جندى فيه أشرف من أى متطاول عليه، ويملؤنى فخر بلا حدود فى كل لحظة أتأمل فيها تاريخه، وعقيدته الوطنية.
وأظن أن الصديق ياسر رزق يشاركنى ما سبق، ولكنى فى الوقت نفسه لا أشاركه أبداً الرأى فى أن يشارك الجيش، من خلال أفراد فيه، فى حملة النظافة التى تتبناها مؤسسة «أخبار اليوم».
لا أشاركه ذلك على الإطلاق، وأرفض، من منطلق الغيرة على الجيش، وعلى مكانته، أن يشارك فى أعمال النظافة، بامتداد المحافظات، وأن ينهمك جنود وضباط فيه فى رفع أكوام القمامة من أماكنها.
أرفض ذلك تماماً، ليس لأن الشخص الذى يرفع القمامة أقل شأناً من غيره، فلكل مواطن مهمته التى عليه أن يؤديها فى بلده، ولكن الجيش له مهمة أخرى، على حدود بلدى، وفى داخله، فى أوقات الطوارئ والأزمات الكبرى.
وقد وجدت صعوبة بالغة فى ابتلاع مشهد الضباط والجنود وهم ينظفون الشوارع والميادين مما فيها.. وجدت صعوبة، ولاأزال، لأن مقام جيش بلدى أعظم، وأكبر، وأعلى.
وأرجو ألا يرد أحد ويقول إن البلد يعانى أزمة فى قضية النظافة، وإن الجيش جاهز دائماً لإنجاز ما يراه فى مصلحة وطنه.. لا.. لا يمكن التسليم بهذا المنطق تحت أى ظرف، وإلا كان علينا أولاً أن نصرف المحافظين، ورؤساء الأحياء، ورؤساء هيئات النظافة من مكاتبهم، مادام العجز هو عنوان أداء كل واحد فيهم هكذا!
إشراك الجيش فى أعمال النظافة مسألة فى نظرى لا تليق، وفضلاً عن عدم لياقتها، فإنها تغطية على عجز المحافظين، ورؤساء الأحياء، ورؤساء وعمال هيئات النظافة.. فهؤلاء كلهم تقع عليهم مسؤولية نظافة البلد، وليس على الجيش بأى حال، وإذا كانوا لا يستطيعون، فليس أقل من محاسبتهم أولاً، ثم تسريحهم والمجىء بغيرهم ممن يستطيعون ثانياً.. هذا أقل ما يمكن عمله مع مسؤولين فاشلين يروحون ويجيئون من مكاتبهم، كل يوم، بينما القمامة أكوام على يمينهم، ويسارهم، وكأنها لا تعنيهم بالمرة، أو كأنها أكوام فى بلد آخر!
وإذا كان الرئيس قد استدعى الجيش لإنجاز مشروعات كبيرة، فهى فى النهاية مشروعات كبيرة، وأتصور أن الرئيس لا يلجأ إلى الجيش فى مثل هذه المشروعات، أو غيرها، إلا مضطراً، ولو أنه وجد أحداً فى الأجهزة المدنية يسعفه ما كان قد لجأ إلى الجيش فى شىء، ولكان قد تركه يؤدى مهمته الأكبر على الحدود، وضد الإرهاب العابر للحدود!
ومع ذلك، فقد كنت، ولاأزال، أطالب الرئيس بأن يرغم الأجهزة المدنية فى الدولة على العمل، وأن يضع أمامها ما يريد إنجازه، ثم يطلبه فى حيز زمنى محدد، فإذا عجزت حاسبها وكشفها أمام المواطنين، حتى لا نحمل الجيش فوق طاقته، وحتى لا نسحبه أو نستدرجه إلى غير ساحته، أو إلى خارج ميدانه.. أعمال النظافة ليست من بين مهام الجيوش!