بقلم - سليمان جودة
يعرف العالم منظمة الصحة العالمية، التي تمارس عملها من مقرها في مدينة جنيف السويسرية، ولكنه لا يعرف منظمة عالمية للصحة النفسية تمارس عملها فيه وتتحرك بالتوازى.. لا يعرف العالم منظمة عالمية تداوى جراحه النفسية، رغم أنه أحوج ما يكون إليها، ورغم أن حاجته إليها قد زادت وصارت حاجة مضاعفة، لأن طوفان الكراهية ينتشر في أنحاء عالمنا المعاصر كما لم يحدث أن شاع وانتشر من قبل.
وإذا كانت منظمة الصحة العالمية تتعامل مع أمراض الجسد، فما الحل مع أمراض النفس، وما الحل مع هذه الكراهية بين أتباع الأديان المختلفة، وما الحل تجاه ما نتابعه دون توقف عن أمراض لم يُبشر بها دين ولا يُقر بها عُرف؟.
فمن ساعات فتحت الشرطة في ولاية فيرمونت الأمريكية تحقيقًا حول مجهول أطلق النار على ثلاثة طلاب جامعيين من أصل فلسطينى، فأصابهم جميعًا ثم لاذ بالفرار، وقال شهود العيان عنه إنه شخص أبيض البشرة، وأنه كان يحمل مسدسًا في يده، وأنه كان يردد كلمات غير مفهومة، وأن الطلاب الثلاثة لم يفعلوا له شيئًا يبرر الاعتداء من جانبه عليهم، ولم يستفزوه في شىء.
ولا يكاد العالم يخلو من وقائع كهذه في كل يوم، وكلها يمارس فيها أصحابها كراهية ضد الآخرين دون سبب مفهوم، ويعتدون على حياة الناس بغير مبرر ظاهر، ويقتلون الذين يصادفونهم بشكل عشوائى أعمى.
وهذا كله ليس من الدين.. أي دين.. في شىء، فاليهودية لم تنزل على موسى لتدعو اليهود إلى قتل الناس، وما يمارسه يهود إسرائيل ضد الأبرياء من المدنيين في قطاع غزة ليس من مبادئ اليهودية المستقرة في شىء، والوصايا العشر التي قال بها سيدنا موسى تنهى عن ذلك كله دون شك، ومن بينها وصية تقول صراحةً: لا تقتل.
فمنذ متى انحرف يهود إسرائيل عن وصايا موسى إلى هذا الحد المخيف؟.. وما يقال عن موسى يقال عن عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، ويقال أيضًا عن سيدنا محمد، عليه وعلى موسى وعيسى أزكى الصلاة والسلام.
هذه الكراهية التي تملأ العالم وتفيض في أركان الأرض لا وجود لها في أي دين، وهذا القدر من الغضب الممزوج بالتعصب لا أثر له في أي دين، والأديان كلها بريئة مما نراه ونتابعه ويؤلمنا، ولا فرق في ذلك بين الأديان السماوية الثلاثة والأديان الأرضية، لأنك إذا طالعت البوذية مثلًا ستجدها تنحاز إلى سلامة الإنسان، وتدعوه إلى التسامح مع كل الكائنات وليس فقط مع أخيه الإنسان.. لقد أوصى بوذا أتباعه بخمسة أشياء أولها: لا تقتل كائنًا حيًّا.
ما أحوج العالم إلى منظمة عالمية للصحة النفسية تتعامل مع مرض الكراهية الذي يزداد انتشارًا في عصرنا الحاضر، فالأمراض الأخرى تصيب البدن، وشفاؤها سهل، ومنظمة الصحة العالمية كفيلة بها، أما مرض العصر فيصيب ويقتل الروح.