سليمان جودة
دعانى الكاتب الكبير جهاد الخازن إلى غداء فى «هارودز»، أشهر متاجر لندن، التى كان يملكها الملياردير المصرى محمد الفايد، ثم باعها إلى قطريين!
ولابد أن الطعام فيها له مذاق آخر لأسباب ثلاثة، أولها أنه على حساب الأستاذ الخازن، والثانى أنه فى لندن، والثالث أنه ليس فى لندن وفقط، وإنما فى «هارودز» التى تبدو من خارجها، بطوابقها الخمسة، ثم من داخلها بأسعارها وحجم ونوع السلع فيها، وكأنها قلعة حصينة فى قلب عاصمة الضباب!
وأنت إذا هبطت من الدور الأول للأرضى فسوف تجد فى مواجهتك صورتين معلقتين فى بروازين، وحولهما الورود منثورة من كل جانب.. الصورتان إحداهما للأميرة ديانا، أميرة ويلز الشهيرة، التى كانت إلى يوم مصرعها فى باريس عام 1997، زوجة للأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا.. وأما الصورة الأخرى فهى لعماد الفايد، ابن محمد الفايد، الذى لقى مصرعه معها فى حادث لايزال غامضاً، ولايزال المعروف عنه، وعن ملابساته، أقل بكثير مما هو مجهول!
تقف أمام الصورتين، المبتسمتين، فى خشوع ورهبة، ثم يذهب بك الخيال مذهبه فتتساءل: أين هما الآن، بعد أن ملأت قصتهما الدنيا فى وقتها، وشغلت الناس.. أين؟! وهل كان قرار الفايد الأب ببيع هارودز له علاقة بمصرع الابن وغيابه؟!.. وهل أحس الرجل بعد الحادث بأن كل ما يملكه من مليارات الجنيهات الاسترلينية قد صار بلا قيمة، فباع أشهر ما كان عنده، ثم انزوى محبطاً يتأمل حال الدنيا؟!
ربما.. ولكن يبدو أن الشرط الوحيد الذى وضعه على المالك الجديد أن تظل الصورتان فى مكانهما، وأن يظل زبون «هارودز» يدور فى أرجائها الفسيحة، ثم ينتهى فى الطابق الأرضى أمام الصورتين، ليحصل منهما على عبرة الزمان، ثم يغادر المكان!
أخذنى الكلام عن الفايد، الأب والابن، وعن الأميرة البريطانية، من الكلام عن الأستاذ جهاد الخازن، الذى يحتفظ لمصر فى نفسه بمكانة خاصة دائماً، فلا تأتى سيرتها فى مقالته اليومية الشهيرة على الصفحة الأخيرة من صحيفة «الحياة» اللندنية، إلا ويقول إنها بلده الثانى، وإن القاهرة حبيبة على قلبه، وإنه لا يكاد يجد نفسه قريباً منها، حتى يمر بها ويبقى!
لا أنسى أنه قال يوماً إن عواصم ثلاثاً فى المنطقة ينصرها هو ظالمة ومظلومة.. هذه العواصم هى: القاهرة.. دمشق.. الرياض!
وقبل أيام كتب مقالاً عن سوريا، وعن حلب، جرى فيه الدمع أكثر مما جرى من الكلام!.. وكان يكتبه ولسان حاله يقول إن أهله يموتون فى حلب الشهباء، وإنه عاجز مثل غيره يتفرج، وقد راح يتمنى لو يستطيع أن يفعل شيئاً، ولكنه لا يعرف كيف، ولا ماذا عليه أن يفعل، فسلاحه الوحيد هو القلم، وهو لا يتوقف عن القتال به، لعل الجنون الدائر فى سوريا يتوقف أو يهدأ!
مرة راح يتابع شريط الأخبار فى قناة الجزيرة، فاكتشف أن القناة تقدم خبراً عن تظاهر ثلاثة أو أربعة أشخاص فى شارع جانبى من شوارع الجيزة على أهم أخبار العالم.. فقال: قضيت عمرى فى الصحافة أتعلم أصولها، وإذا كان ما تفعله الجزيرة مع أخبار مصر صحافة فأنا تاجر خردة!
ولا يكاد يجد كلمة فى صحافة الغرب ضدنا حتى يبادر بالرد عليها بكل قوة، وكأنه يحمل جنسية مصر منذ ولادته، أو كأنه ورثها عن آباء له وأجداد، وأهم شىء فى موقفه معنا أنه يبذله للبلد بحب حقيقى يتجلى فى كل حرف، ثم إنه موقف بلا ثمن يريده.. وتلك قيمته الباقية!