سليمان جودة
تلقيت دعوة، من مكتب فضائية عربية فى القاهرة، للتعقيب على الأحكام التى صدرت أمس الأول فى حق محمد مرسى والذين معه، فى قضية التخابر.. ثم تلقيت دعوة ثانية، من فضائية عربية أخرى، للتعقيب على الموضوع نفسه وفى اليوم ذاته.. وفى المرتين لاحظت أن هناك قصداً خارج البلد، فى تناول الأحكام على أنها ملف سياسى خالص، وكأننا لسنا أمام محكمة ومتهمين، ودفاع، ونيابة و... و... إلى آخره!
وكنت فى المرتين أحرص على أن أنبه الذين يريدون أن ينتبهوا، إلى أننا أمام أحكام صادرة عن محكمة، ولسنا إزاء قرارات صادرة بحق المتهمين، من الحكومة، ولا من الجهة الإدارية، وأن هذه هى الأرضية التى لابد أن يؤخذ عليها الموضوع كله، فلا نخلط فيه أبداً، بين ما هو قانونى، وما هو سياسى.
وكنت فى المرتين أقول كذلك، إننا لا يجوز أن ننسى، أن المحاكمة دامت 19 شهراً، وأن المحكمة استمعت خلالها إلى 48 شاهداً، وأن الجلسات كانت 99 جلسة، بما يعنى أن المتهمين، ومعهم محاموهم، قد أخذوا وقتهم تماماً، وأن المحاكمة لو كانت سياسية، لدامت جلسة، أو جلستين، أو ثلاثاً بالكثير، ثم صدرت الأحكام بعدها، دون التفات إلى كلام متهمين، دفاعاً عن أنفسهم، ولا إلى دفاع محامين، دفاعاً عن متهمين!
وكنت فى المرتين أقول، للمرة الثالثة، إن المتهمين جرت محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعى، وأن محكمة خاصة لم تنعقد لهم، ولا محكمة عسكرية، وأنهم جميعاً، رغم ذلك كله، لاتزال عندهم فرصة أخرى أمام محكمة النقض عندما تعلن المحكمة حيثيات الحكم عليهم، وتكشف فى حيثياتها عن أسبابها التى دعتها إلى أن تكون الإدانة هى نصيبهم، لا البراءة.
ومع ذلك.. بل رغم ذلك.. لاتزال الدنيا قائمة.. ولا تريد الجماعة الإخوانية للدنيا أن تقعد، وسوف تقعد الدنيا ولا تقوم، فى اللحظة التى تدرك فيها «الجماعة» أننا فى عام 2016، وأننا لسنا فى عام 2013، قبل أن يثور المصريون عليها وعلى رئيسها مرسى، وأن التعامل مع الواقع، لا إنكاره، هو السبيل الوحيد إلى أن يتجاوز الإخوان أزمتهم الراهنة!
ولا أحد يعرف متى سوف يفهم الإخوان أن الدنيا تغيرت من حولهم، وأن إخوان الأردن - مثلاً - صاروا أكثر مرونة، وواقعية، من الجماعة الأم فى القاهرة، حين قرروا مؤخراً خوض انتخابات البرلمان فى سبتمبر المقبل، بعد أن قاطعوها مرتين، فى 2010، وفى 2013، وبعد أن أغلقت الحكومة الأردنية مقارهم، ووضعت على أبوابها الشمع الأحمر!
متى تتطلع الجماعة الأم، إلى فرعها فى الأردن الذى لا يبعد عنها، إلا رمية حجر؟!.. فالإخوان هناك يحتفظون فيما يبدو، بعقولهم فى رؤوسهم، رغم ما لحق بهم، ورغم ما صاروا إليه، ورغم أنهم فرع.. لا أصل.. ورغم الشمع الأحمر!
المشكلة أن الأصل عندنا بلا عقل، وإذا غاب العقل، غاب معه كل شىء!.. فمتى ينبت للجماعة الأم عقل؟!