بقلم سليمان جودة
دعا الأمير طلال بن عبدالعزيز مؤسسات المجتمع المدنى التى يرعاها، إلى اجتماع فى القاهرة، ثم دعانى إلى الحضور، وإذا كان لى أمل، بعد أن حضرت، فهو أن أرى مؤسسات مثيلة يرعاها أصحاب المال والأعمال فى بلدنا، ثم أرى ذلك قائماً فى كل عاصمة عربية، دون استثناء!
أما السبب فهو أن المجتمع المدنى الحقيقى يظل أملاً باقياً فى بناء إنسان عربى قادر على أن يعيش فى عصره، بدلاً من أن يرتد إلى عصور مضت ويعيش فيها ثم يجرنا معه إليها!.. وإذا كان بناء هذا الإنسان هو مهمة الدولة، قبل أن يكون مهمة المجتمع المدنى، فالدولة تبدو عاجزة عن الوفاء بدورها فى هذا الاتجاه مرة، ثم تبدو غير مدركة لحتمية هذا الدور من جانبها مرات!
يقوم الأمير طلال على أربع مؤسسات كبرى.. أما الأولى فهى: برنامج الخليج العربى للتنمية «أجفند» الذى يضع لنفسه هدفاً وحيداً يبدأ بمحاربة الفقر، وينتهى بدعم الفقراء فى اتجاه أن يجد كل واحد فيهم فرصة عمل، وليس لمجرد أن يكون عنده مال فى جيبه!
وعندما استعرض الأستاذ ناصر القحطانى، مدير البرنامج، ما أنجزوه، بامتداد سنين مضت، لم يصدق الحاضرون أن هذا كله قد تحقق على الأرض، وأن تسعة بنوك للفقراء قد جرى إنشاؤها فى دول متفرقة.. لولا أن هذه البنوك التسعة حقائق ماثلة فى أماكنها!
وحين تحدث الدكتور حسن البيلاوى عما قدمه المجلس العربى للطفولة والتنمية، من أجل الطفولة تارة، ومن أجل التنمية كقضية تارة، تمنى الحاضرون لو أن مجلساً بهذه المهمة، يُنشَـأ فى كل حارة عندنا.. وحين قامت الدكتورة موضى الحمود، التى ترأس الجامعة العربية المفتوحة فى الكويت، تستعرض ما أتاحته جامعتها من فرص أمام شباب لم يتعلم، أحسست من جانبى بأن جامعة كهذه، بفروعها فى أكثر من بلد عربى، تبقى فى حاجة إلى دعم كل صاحب قرار لدينا، وفى عالمنا العربى.. ولما قامت السيدة سكينة بروارى، مديرة مركز المرأة العربية فى تونس، تقول إن هذا هو ما قدمه مركزها، فى سبيل أن يكون وضع المرأة أفضل، ولو قليلاً، تأكد لى أن الأمير طلال، وهو ينشئ مركزاً من هذا النوع، ثم يختار تونس مقراً له، كان يريد أن يكون للمرأة العربية سند ترتكن إليه فى تونس، ومنها إلى سائر عواصم العرب، ثم ساورنى إحساس عميق بأن حال المرأة فى بلادنا لو صار أفضل، فسوف يصير كل ما عداها، ومن عداها، أفضل بالتالى!
ضاق المجال، وكنت أود لو أنى استطعت أن أشير إلى مدى انشغال الأمير طلال بقضيتين اثنتين أكثر من غيرهما: المياه.. والتعليم.. وكيف أنهما فى بلادنا تؤرقان حياته.. وكنت أريد أن أقول، إن الإنسان عنده هو إنسان وفقط، بصرف النظر عن دينه، وعن لونه، أو جنسيته، وإلا ما كان قد أنشأ بنكاً لفقراء الفلبين، ثم أنشأ آخر لفقراء أوروجواى!
ليت كل أصحاب الأعمال والمال عندنا، وفى عالمنا العربى، يفكرون كما يفكر «طلال».. إننى أقول اسمه مجرداً هكذا، رغم أنه أمير ابن ملك!