سليمان جودة
سمعت من المهندس شريف عفت، صاحب كتاب «تاريخ أقل قبحاً»، أن أحفاده كانوا مع أمهم فى «مول العرب» الشهير فى 6 أكتوبر، وأنهم بمجرد أن خرجوا إلى الطريق العام وجدوا أنفسهم فريسة لعدد من قُطاع الطرق، الذين استولوا على سيارتهم، وعلى كل ما كان معهم، وراحوا يساومون على إعادة السيارة مقابل 60 ألفاً، وكانت الواقعة على مرأى من مئات المارة، ولم تفلح استغاثات الضحايا فى استدعاء الشرطة، ولا فى إغراء واحد من المارة بأن ينقذهم، وكانت النتيجة هى فرار الجناة، وكان الدرس الباقى، أن الأمن لايزال فى وضع خطر، رغم جهود كبيرة يبذلها القائمون عليه فى هذا الاتجاه.
وكنت قد كتبت فى هذا المكان، أكثر من مرة، أقول إن «الأمن.. ثم الأمن.. ثم الأمن» للناس، وأنه لا شىء يجب أن يتقدم الأمن فى أولويات الحكومة بشكل عام، و«الداخلية» بشكل خاص، وسوف أعود للمرة الألف إلى ما يعرفه كل الذين غادروا بلدنا إلى أمريكا، وكيف أن المسافة الزمنية التى تفصل هناك بين أى استغاثة وبين إنقاذ صاحبها لا تزيد على ثلاث دقائق.. وعندما بدأ اللواء أسامة الصغير، مدير أمن القاهرة الجديد، مباشرة مهام عمله بزيارة شرطة نجدة القاهرة، قلت إن الرجل استهل عمله بالبداية الصحيحة وإنه بزيارته تلك يضع يديه على العصب الحساس فى حياة المصريين، وقد سمعت منه بعدما قرأ ما كتبته أنه عازم على أن ينقل شرطة النجدة فى محافظته، إلى مستوى يجب أن تكون عليه، وأنه يعرف جيداً أن أى مواطن يستغيث بالنجدة، يظل فى أشد الحاجة إلى أن يغمض عينيه ثم يفتحهما ليجد البوليس إلى جواره.
وكنت قد قلت، وسوف أظل أقول، إن الأمن فى البلد إذا كان فى حاجة إلى شىء، وبسرعة، فهو فى حاجة إلى تجديد وسائله، فما كان يجدى معه أيام حبيب العادلى لم يعد ينفع فى أيام أحمد جمال الدين، ولايزال كثيرون فى هذا الوطن مقتنعين بأن «الداخلية» يجب أن تكون لها طائراتها الهليوكبتر التى تجعلها تسعف أى مستغيث فى طريق مقطوع، حتى لا ينقطع الطريق ـ والحال كذلك ـ على المجنى عليه، وعلى الأمن ذاته! وسمعت من الدكتور أسامة عبدالمنعم، وهو خبير موارد بشرية معروف، أن الدفاع المدنى فى السعودية ـ مثلاً ـ عنده طائراته، ووسائله العصرية جداً، التى تجعل الأمن كخدمة، حاضراً فى حياة كل مواطن فى لحظته!
وإذا كان هناك حل لهذه المعضلة سوف يذكره التاريخ لوزير الداخلية، فهذا الحل هو أن يكون لدى الوزارة «برج اتصالات» أشبه ببرج شركات المحمول، بحيث يتلقى الاستغاثات مركزياً، ثم يوجه سريعاً، من خلال فرعه الأقرب لمصدر أى استغاثة، أحد رجاله وأدواته إلى الموقع.. وعندها فقط، سوف يشعر المواطن المستغيث بأن بلده يغيثه فى اللحظة المناسبة، وسوف يحبه بالتالى، من قلبه، وينتمى إليه فعلاً، لا قولاً، ولا كلاماً!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"