سليمان جودة
لا يحزن المرء لأن الرئيس السابق حسنى مبارك سقط فى حمام السجن، فأصيب بكدمات فى وجهه، وفى أجزاء متفرقة من جسده، مع اشتباه فى وجود نزيف بالمخ، بما استدعى نقله سريعاً إلى مستشفى المعادى العسكرى، لإجراء أشعة مقطعية على رأسه.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب!
لا يحزن المرء لأن الرئيس السابق كان قد سقط من قبل عدة مرات، فى الحمام نفسه، وبالطريقة نفسها، ولم يفكر أحد فى عمل شىء من أجل إنقاذ حياة رجل فى مثل عمره، ولا أقول فى مثل منصبه السابق سياسياً كرئيس، أو عسكرياً كفريق فى الجيش، وإنما أقول من أجل عمره فقط الذى تجاوز الخامسة والثمانين.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب؟!
لا يحزن المرء لأن رجلاً فى هذه السن قد قضى الشهور الأخيرة من حياته فى «طرة».. فما أكثر الذين قضوا أعمارهم كلها فى هذا المكان.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب!
لا يحزن المرء لأن فريق الأطباء الشرعيين لا يكاد يذهب إليه، حتى يعود من عنده، ولا يكاد يعود من عنده، حتى يذهب إليه، أملاً فى إمكانية الإفراج الصحى عنه، لأسباب صحية خالصة.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب!
لا يحزن المرء لأنهم حين ذهبوا به مساء أمس الأول، إلى مستشفى المعادى العسكرى للكشف عليه، بعد سقوطه الأخير إياه قد عادوا به سريعاً، إلى طرة فى لحظته، خشية أن يكون فى الموضوع شبهة رحمة به، من جانبهم، أو حتى إشفاق عليه.. لا .. لا يحزن المرء لهذا السبب!
لا يحزن المرء لأن محكمة القضاء الإدارى قد رأت تأجيل دعوى الإفراج الصحى عنه إلى 29 يناير المقبل، لاستيفاء الأوراق والمستندات المطلوبة.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب!
لا يحزن المرء لأن القوات المسلحة قد رضيت أن يتعرض واحد من أبرز أبنائها لما يتعرض له الرئيس السابق، دون أن يكون لها رأى فى الموضوع، مع أننا نعلم أنها لو كان لها رأى آخر فيما يجرى له، لأخذت به السلطة الحالية على الفور، ولن يناقشها أحد، ولو شاءت القوات المسلحة أن يقضى فترة عقوبته فى بيته، فسوف يقضيها حيث يشاء الجيش وقياداته لا حيث يشاء أى طرف آخر.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب!
ولا يحزن المرء حين يقال على لسان محاميه الأستاذ فريد الديب، إن الرئيس السابق فقد نصف وزنه، وإن صحته تدهورت للغاية، وإنه لا يقوى على المشى إلا بمساعدة، وإنه يسترجع ما جرى، وما حصل، ثم يصمت، ولا يتكلم، وإنه.. وإنه.. ثم لا يأبه أحد بهذا كله.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب!
لا يحزن المرء لأن للإنسان حقوقاً يجب أن تتوفر له، حتى ولو كان سجيناً، فضلاً عن أن يكون رئيساً سابقاً، أو حاملاً لرتبة الفريق فى الجيش، ومع ذلك فلا أحد بيننا يتكلم عن حقوق «مبارك» السجين، لا الرئيس السابق، ولا الفريق.. لا.. لا يحزن المرء لهذا السبب.
لا يحزن المرء لأى سبب من كل هذه الأسباب، ولا يحزن لها مجتمعة، وإنما يحزن قطعاً لأن المشهد على بعضه، منذ بدايته يوحى وكأن مصر قد خلت تماماً من الإنسانية، ومن المروءة، ومن الشهامة، ومن الرجولة، ومن النخوة.. خلا البلد من هذا كله، وبدا وكأن المصريين جميعاً راغبون فى «رمى» مبارك فى طرة، والحقيقة أنها رغبة «الأندال» بينهم! لا لشىء إلا لأن المصرى «الطبيعى» لا يتصرف هكذا!
أقول هذا، رغم أنى لم أنتفع من الرئيس السابق بـ«مليم» طوال 30 عاماً له فى الحكم، ولم أعمل فى صحفه القومية ولم أسافر معه، ولم أكن مقرباً منه بأى حال.. ولم.. ولم.. إلى آخره.. فقط أقوله لأن الحكاية تغرى بالتأمل العميق، واستخلاص الدروس والعبر فى هذا الزمان!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"