سليمان جودة
يعرف المتابعون للشأن الاقتصادى أن فى العالم مؤسسة مالية دولية اسمها «استاندرد آند بورز» وأنها تصنِّف دول العالم، بين وقت وآخر، حسب مدى قوة اقتصاد كل دولة على حدة، أو هشاشته، وهى كمؤسسة لا تكرهنا، إذا ما صنفت اقتصادنا بشكل سلبى، ولا تحب الصين، إذا رأت أن اقتصادنا هو الثانى فى العالم، ولا تخاطب سواد عيون البرازيل، إذا بدا لها أن الاقتصاد البرازيلى، الذى كان فى سابع أرض، قبل سنوات معدودة على أصابع اليدين، قد صار هو السادس عالمياً.. لا.. لا تعمل المؤسسة هكذا، لأن عندها معاييرها الموضوعية التى تقيس عليها.
ويعرف هؤلاء المتابعون أنفسهم أن هذه المؤسسة قد قررت يوم الاثنين الماضى، تخفيض التصنيف الائتمانى لنا، من «بى» إلى «بى سالب» وهو ما يعنى، بالعربى الفصيح، أن مخاطر الاستثمار بشكل خاص على أرضنا، كبيرة، وأن المستثمرين بالتالى سوف يتجنبون المجىء إلينا، حتى يعرفوا أقدامنا من رؤوسنا!
وإذا كان هذا التصنيف يحتاج إلى شرح أكثر، فسوف أقول لك إنه نفس تصنيف اليونان، ولمن لا يعرف، فإن اليونان بينها وبين الإفلاس خطوتان، وقد بلغت نسبة البطالة فيها 50٪، وأصبحت كدولة، أكثر دول العالم طرداً لسكانها، بحثاً عن ملاذ آمن فى أى مكان!.. ولولا الاتحاد الأوروبى الذى يقف مع اليونان، تارة، ثم «منطقة اليورو» التى تقف معها، تارة أخرى، لكانت اليونان الآن فى عداد الدول المنتهية!
وحين يكون وضعنا الاقتصادى فى ظروف كهذه، ثم يخرج بيان عن مجلس الوزراء، يقول إنه لا مشكلة، فلابد أن أترك الحكم على حقيقة هذا الوضع لضميرك، الذى سوف يكشف لك وحده، ما إذا كانت المؤسسة المالية الشهيرة، هى الأصدق فى وصف حقيقة حالنا، أم بيان مجلس الوزراء؟!
وفى كل الأحوال، فإن الدكتور مرسى عندما خطب مساء أمس الأول، قال إنه كلف د. هشام قنديل بإجراء بعض التعديلات على الحكومة الحالية، ولايزال الكلام المتواتر عن هذا التعديل يقول، إن أول الوزراء الذين سوف يشملهم تعديل من هذا النوع، هو ممتاز السعيد، وزير المالية، الذى سوف يخرج، ليس لأن النظام الحاكم يريد استبعاده، وإنما لأنه، كوزير مالية، يرى فى الغالب أننا، كدولة، مهرِّجون، أكثر منا جادين على أى مستوى بشكل عام، وعلى المستوى الاقتصادى بشكل خاص!
ومن المعلوم للجميع أن وزير المالية، فى أى دولة فى الدنيا، هو أكثر الوزراء كراهية لدى الرأى العام، وليس هناك وزير مالية محبوب فى أى دولة، لا لشىء، إلا لأن طبيعة عمله تجعل مهمته الأولى ضغط المصروفات، وزيادة الإيرادات، ومن شأن أمر كهذا أن يجعل كل مواطن كارهاً له، دون أن يلتفت هذا المواطن، إلى أنه لو كان هو فى مكان هذا الوزير، فسوف يكون عليه أن يفعل مثله تماماً، وإلا غادر منصبه بعد ساعة.
وأغلب الظن أن ممتاز السعيد، يتلفَّت حوله، منذ تولى الموقع خلفاً للدكتور حازم الببلاوى، ويفتش طول الوقت، عن موارد للدخل لخزانة الدولة فلا يكاد يجد، لأن أجهزة الدولة المعنية بإزالة العوائق من أمام هذه الموارد مشغولة بأشياء أخرى، تجعل أى مستثمر جاد ليس فقط راغباً عن الإتيان إلينا، وإنما تدفعه إلى تصفية ما عنده، لدينا، والنجاة بجلده من بلد يسوده الهرج، على مستوياته الرسمية كلها، وينشغل على مدار النهار بالماضى، وبالتفكير فى كيفية الانتقام ممن عاشوا فيه، أكثر مما يفكر الناس فى حاضر متأزم، فضلاً عن المستقبل المظلم!
وضع كهذا، يصفه مجلس الوزراء فى بيانه بأنه لا مشكلة فيه، ووضع كهذا أيضاً، يدفع أى وزير مالية، مهما كانت قدراته، إلى الفرار بأى طريقة.. ومع ذلك، فإن رئيس الحكومة سوف يكون عليه أن يبحث بالضرورة، عن وزير مالية جديد.. فمن سوف يرضى بهذه المهمة الانتحارية؟!
غداً، بإذن الله، أرشح لكم اسماً أراه الأصلح لهذه المهمة، وسوف لا أجد حرجاً فى طرح اسمه، حتى ولو كان ذلك سوف يكون صادماً للبعض بيننا!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"