سليمان جودة
إذا كنت ترى أن هذا العنوان لا يعجبك، أو أن مضمونه لا يريحك، أو أن عودة صاحب هذا الاسم إلى وزارة المالية، مسألة تستفزك ولا ترضيك، أو.. أو.. إلى آخره، فلا أطلب منك شيئاً، إلا أن تقرأ هذه السطور إلى نهايتها، ثم يكون لك، عندئذ، أن تحكم.
ذلك أنك لو قررت - مثلاً - أن تقيم عمارة بفلوسك، فأنت لا تذهب إلى المهندس الذى تحبه أو تستخف دمه، لكى يضع تصميمها، ولكن تذهب إلى الرجل الذى تعتقد أنه سوف ينشئها على أفضل ما يكون، مهما دفعت له، وليس مهماً، فى هذه الحالة، أن تكون محباً لهذا المهندس، أو كارهاً له، فالأهم هو مهنيته، وكفاءته، وقدرته. هذه هى القصة من أولها إلى آخرها.. وكذلك إذا أردت الذهاب إلى الطبيب، أو المحامى.. أو.. أو إلى آخره أيضاً.
نحن، إذن، فى حاجة فى هذه اللحظة، إلى رجل «فاهم اقتصاد» ليجلس على قمة وزارة المالية، وإذا كان ثلاثة من الوزراء قد تعاقبوا عليها، بعد يوسف بطرس، ثم لم يفعلوا شيئاً باقياً، فإن العيب ليس فيهم، خصوصاً الدكتور سمير رضوان، والدكتور حازم الببلاوى، وإنما العيب فى أن أحداً لم يعطهما الفرصة ليترك كل واحد منهما وراءه ما يحب.
يوسف بطرس فى المقابل، كان هو الذى حقق فى أثناء وجوده فى هذه الوزارة، إنجازاً مزدوجاً، وهو أنه نزل بنسبة الضرائب المستحقة على الأرباح التجارية، وارتفع فى الوقت نفسه بعائد الضرائب، من 62 مليار جنيه إلى 180 ملياراً.
وما أرجوه هنا، أن ننتبه إلى أنه جمع بين شيئين لا يمكن الجمع بينهما، لأنهما نقيضان.. إنك إذا نزلت، كوزير، بنسبة الضرائب التى يجب تحصيلها، إلى 20٪، فالطبيعى أن يتراجع إجمالى العائد، ولكن ما حدث معه، هو العكس، بما يعنى بشكل مباشر، أنه «ميكانيكى اقتصاد»، كما كان يحب أن يصف هو نفسه، وكما كان آخرون يحبون أيضاً أن يصفوه!
يوسف بطرس، إذا شئنا أن نتذكر ما جرى فى أيامه على يديه، فهو الذى بادر بوضع نظام دقيق للضريبة العقارية، ولست هنا أمتدح تلك الضريبة، أو أذمها، وإنما أقول إنه وضع أساساً قوياً لها، وأخضع نفسه لها، قبل غيره، ولانزال نذكر كيف أنه نبه الذين كانوا يحصرون العقارات التى ستخضع للضريبة، إلى أنهم نسوا تسجيل بيت سابع يملكه، وسجلوا ستة فقط!.. ثم إن الحكومة الحالية لم تجد مفراً من تطبيق هذه الضريبة، بعد أن شتموه أيامها.
يوسف بطرس، هو الذى أصلح نظام الضرائب، وكاد أن يفعلها كاملاً فى الجمارك، وهو أيضاً الذى وضع قانوناً محكماً للمعاشات، وكان منتهى أمله أن يتمكن من صياغة وتطبيق قانون ضريبة المبيعات، لولا أن قامت الثورة، ولولا أن الرئيس السابق كان هو الذى أبعده عن منصبه، وقدمه مع آخرين قرباناً لعل الثائرين وقتها يهدأون، دون جدوى!
ليس بينى وبين الرجل ما يجعلنى أمتدحه، ولا بينى وبينه ما يدفعنى إلى أن أقول فيه ما يسيئه، وإذا كان أحد سوف يقول لى، إنه، أى يوسف بطرس، متهم أو مدان فى قضايا أمام المحاكم، فأرجو من هذا الأحد، مرة أخرى، أن يتطلع إلى القصة بعقله، لا بقلبه، وألا يسمح لما يقال بأن يقوده فى اتجاه الحكم النهائى على يوسف بطرس، وبعد ذلك، سوف تكتشف أنه متهم فى قضية «نمر عربيات»!! بما يجعلك تضحك من أن يكون هذا الوزير، شديد الثراء، فى الأصل، سوف يمد يديه إلى «نمرة عربية» يستفيد منها!
مرة ثانية.. الاستعانة بالرجل فيما نحن فى حاجة إليه فيه، اقتصادياً، لن تفيدنى فى شىء، وبقاؤه فى الخارج حيث هو الآن، لن يضيرنى فى شىء، وسوف يكون عليه، فى هذه الحالة الأخيرة، أن يعيش أفضل معيشة فى لندن، حيث يعيش منذ خرج، ويعلم أبناءه أحسن تعليم، وسوف نظل نحن - فى ظنى - نبحث عن وزير يفهم مثله فى عمله فلا نجد!
استبعاده لمجرد أنه كان وزيراً مع «مبارك» معناه أنك تأخذ الناس بالشبهات، ومعناه الأكبر، أنك تعاقب اقتصاد بلد بكامله، قبل أن تعاقب شخصاً.. فإذا لم يكن هذا الكلام يعجبكم، فاعتبروه كأن لم يكن، ولكن، تذكروا فى الوقت ذاته، أن اقتصادنا سوف يدفع الثمن!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"