سليمان جودة
فى عام 2003، صدر كتاب تحت عنوان «نهر الذكريات.. المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية»، وكان 8 من قادة الجماعة قد قرروا وقتها مراجعة أنفسهم فيما كانوا قد اعتقدوه من قبل من أفكار، وكانت خلاصة المراجعة تقول إنه كان من الممكن أن يصلوا إلى أهدافهم منذ البداية، ولكن بثمن أقل، وربما بلا ثمن مدفوع فى الأساس من حياة زملاء لهم وحياة آخرين، على رأسهم السادات العظيم، لو أن الحكمة قد سادت عند أول الطريق، ولو أن العقل كان هو الحاكم فى كل الأحوال.
شىء من هذا بالنسبة لثورة 25 يناير، أظن أننا فى حاجة إليه مع أنفسنا اليوم، ونحن على بعد أيام من ذكراها الثانية!
ذلك أنك تتلفت حولك، على مدى 24 شهراً مضت، فتكتشف أننا كبلد نتسول 4.8 مليار دولار من صندوق النقد، فى الوقت الذى ضيعنا فيه مائة مليار دولار تقريباً، كانت من الممكن أن تكون فى خزائن الدولة، الآن، لو كان هناك عقل، وكان هناك منطق، وكانت هناك حصافة فى حدها الأدنى.. كان الاحتياطى الدولارى فوق 35 مليار دولار عند قيام الثورة، فصار فى هذه اللحظة 15 ملياراً، أو ما حولها، وخسرنا منه، على مدى الطريق الممتد طوال هذه الشهور، ما يقرب من 20 ملياراً، ثم خسرنا 40 ملياراً تقريباً فى هزات البورصة التى كانت ولاتزال تضربها بين وقت وآخر بسبب حماقات نرتكبها، وخسرنا، أخيراً، ما يوازى مبلغ البورصة، فى صورة استثمارات كانت قائمة، فتوقفت أو هاجرت، وأخرى كانت فى الطريق إلينا، لم تأتِ لأن أصحابها قد راحوا يراجعون أنفسهم فيما إذا كان من المفيد أن يأتوا أو يظلوا حيث هم فى أماكنهم، إلى أن تتضح الصورة عندنا، ونعرف إلى أين بالغباء نسير!
من 24 شهراً.. كان عندنا دستور 1971، وكان الخلاف بيننا على بضع مواد فيه، وكان كدستور محل اتفاق، فيما عدا هذه المواد، التى لو تعدلت، لأصبح دستوراً ممتازاً، والأهم من امتيازه أنه كان موضع توافق واتفاق، باستثناء مواده الخلافية، التى كانت معدودة على أصابع اليدين، فإذا بنا نأخذ هذا كله، ونُلقى الدستور فى صندوق القمامة، العاطل فيه مع الباطل، ونبتدع فى مكانه دستوراً قسَّم البلد بلدين، والأسرة أسرتين، والمجموعة من الأصحاب مجموعتين، فلا تكاد تصادف مصريين اثنين على توافق حول مواده التى طالت هى الأخرى عدداً، بأكثر مما ينبغى!
وللمرة الثالثة، كنا قبل 24 شهراً نرى أن مجلس الشورى يجب إلغاؤه، وكان الإخوان المسلمون أنفسهم قد طالبوا مراراً، قبل الثورة، بنسفه من أساسه، لأنه لا لزوم له، ولأنه يمثل إهداراً للمال العام، فإذا بنا اليوم، ليس فقط نستبقيه، وإنما نمنحه حصانة ضد الإلغاء فى الإعلان الدستورى المشؤوم الذى صدر 22 نوفمبر الماضى، ثم لا نكتفى بذلك، وإنما نعطيه سلطة التشريع كاملة غير منقوصة، بعد أن كان، من قبل، بلا أى سلطة فى التشريع، وكان يبحث عن شىء يمارسه فلا يجد، وإذا بالمصريين الذين يعرفون أن 7٪ من ناخبيهم فقط هم الذين انتخبوا أعضاءه، يكتشفون أن مجلس الـ7٪ هذا هو الذى يشرِّع القوانين لـ90 مليون مصرى!!
هكذا.. وهكذا.. على طول الطريق منذ قامت الثورة، إلى الوقت الراهن، يتبين لك حجم الثمن الفادح، الذى دفعناه كمجتمع، على مستوى الاحتياطى الدولارى تارة، والدستور تارة ثانية، والتشريع تارة ثالثة.. إلى آخر ما يمكن رصده فى هذا الاتجاه، لنظل فى هذه الأيام، خصوصاً شباب الثورة بيننا، فى حاجة شديدة إلى مراجعة مماثلة لتلك التى كان قادة الجماعة الإسلامية قد أجروها مع أنفسهم، ونشروها على الناس، لعل الثمن، فى المرة المقبلة، لا يكون بهذه الفداحة!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"