سليمان جودة
يقول الخبر المنشور على الصفحة الثالثة من «المصرى اليوم» صباح أمس، إن المطرب السعودى رابح صقر كان قد وصل مطار القاهرة صباح الإثنين، عازماً على أن يقضى رأس السنة فى مصر، ولكن السلطات منعت دخوله لأنه كان يحمل 120 ألف دولار فى حقيبة يده، وهو ما لا يسمح به القانون الذى صدر قبل أيام، ويقضى بأن يكون الحد الأقصى لدخول هذه العُملة الصعبة، أو خروجها، هو عشرة آلاف دولار!
المطرب لم يعترض، ولم يسبب مشكلة، لكنه طلب حجز تذكرة على أول طائرة إلى دبى، وسافر إليها فعلاً، بعدها بساعات، لينفق هناك هذا المبلغ، الذى كان ينوى إنفاقه على نفسه وأعضاء فرقته فى حفلات بدء العام الجديد!
وكنت قبل أيام، قد كتبت فى هذا المكان، أنبه إلى أنه قد يكون مفهوماً منع السفر بدولارات أكثر من عشرة آلاف، ولكن غير المفهوم لى ولغيرى، وغير المنطقى، منع دخولها البلاد دون سقف، ما دمت أنت كدولة، قادراً على أن تسجل المبالغ الداخلة، وتتابع حركة إنفاقها على أرض البلد، ولكن أحداً ممن يعنيهم الأمر فى هذا الوطن، لم يخرج ليوضح للناس شيئاً، فجاءت واقعة رابح صقر لتجدد الدهشة من منع دخول الدولار بأى رقم، إلى أن يتطوع مسؤول، ويحترم عقول مواطنيه، ويشرح لهم الحكاية ومبرراتها!
ومع ذلك فليس هذا هو موضوعنا اليوم، وإنما موضوعنا هو أن قصة المطرب «صقر» تظل بمثابة رأس الجبل العائم، الذى يختفى بكامل جسده تحت السطح، ليبدو منه الجزء الأقل فقط.
ذلك أن المطرب السعودى إذا كان قد عاد على الفور إلى دبى، لأن القانون يمنعه من دخول البلد، بسبب حجم المبالغ التى يحملها، فإن آخرين غيره، وبالملايين هذه المرة، وليسوا بالمئات أو الآلاف فقط، كانوا قد سبقوه إلى دبى نفسها، ثم وهذا هو الأهم، إلى تركيا، وإلى بيروت!
العالمون بخريطة حركة السياحة خلال احتفالات رأس السنة، فى المنطقة، يعرفون تماماً أن الفنادق فى تركيا هذا العام، ليس فيها غرفة واحدة خالية، وأن سعر الغرفة فى بعض فنادقها قد وصل إلى 1200 يورو فى الليلة الواحدة، وكذلك الحال فى بيروت، لا لشىء، إلا لأن الذين يحكمون عندنا، قد انخرطوا على مدى أسابيع مضت، فيما من شأنه ألا يشجع سائحاً واحداً على المجىء إلينا، فى وقت تناديه فيه وتغريه، فنادق اسطنبول، وبيروت، ودبى، ومراكش.. وغيرها على امتداد المنطقة كلها!
كان رئيس الدولة فى خطابه أمام مجلس الشورى يقول إن السياحة حققت عائداً متزايداً، واستردت عافيتها نسبياً، وكانت الفنادق عندنا، فى اللحظة نفسها التى كان الرئيس فيها يقول هذا الكلام، خاوية على عروشها، وكانت نسبة الإشغال فى أغلبها لا تتجاوز 12٪، وكان سعر الغرفة يصل إلى 50 يورو بالكاد، بما يعنى أن السياح الأجانب الذين جاءونا، كانوا من النوع الذى يسترخص، ويبحث عن شىء بلا تكلفة فى مناسبة كهذه، لا تتكرر إلا كل 12 شهراً!.
وكانت مصر فى أعقاب حرب 73، قد تسببت فى ارتفاع أسعار البترول، أضعافاً مضاعفة، وكانت نغمة قد سادت وقتها، وربما بعدها كذلك، تطالب بأن يكون لنا نصيب من عوائد النفط، التى كانت قد انهمرت كالمطر على الدول العربية البترولية، بعد قفز الأسعار إلى مستويات خيالية، ورغم أن النغمة إياها كانت حالمة بأكثر مما ينبغى، ورغم أنه لم يكن من المتخيل أن نطلب نحن من العرب، نصيباً فى عوائدهم النفطية، إلا أن الحكاية تتطوف فى الأذهان هذه الأيام، ويكاد بعضنا يتساءل بالقياس عما جرى أيام «أكتوبر»، عما إذا كان من اللائق بنا أن نطلب جزءاً من عائد السياحة الآن، فى تركيا ولبنان وغيرهما، أم لا؟!.. فالإقبال السياحى غير المسبوق على تلك الدول والمدن فيها، كنا نحن سبباً فيه، بشكل أو بآخر، وكانت حماقة مسؤولينا هى أساسه فى النهاية، على عكس دهاء مسؤولينا أيام الحرب!
على كل حال، يستيقظ العاملون بالسياحة، فى أغلبهم، كل صباح، ثم يرفعون أياديهم إلى السماء ويرددون ما يعرفه جيداً الذين يحكمون!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"