سليمان جودة
الفترة التى تولى خلالها الدكتور عصام شرف رئاسة الحكومة ليست فقط مخصومة من عُمر هذا البلد، لكنها جنت عليه، كوطن، وعلينا، كمواطنين، كما لم يحدث مع فترة سابقة عليها، ولا لاحقة لها.
قد يكون الشىء الوحيد الذى يذكِّرنا برئيس الوزراء الأسبق، الآن، وفى وسط هذا الطقس السيئ، أنه هو الذى كان قد ألغى حكاية التوقيت الشتوى والصيفى، وجعله توقيتاً واحداً، طول السنة، وهى مسألة كنا نطالب بها فى إلحاح قبل الثورة، ولكن أحداً لم يكن يستجيب، إلى أن جاء «شرف» فألغى هذه البدعة التى كانت دول كثيرة قد تخلت عنها مبكراً، إلا نحن الذين كنا نتشبث بها دون أدنى مبرر، اللهم إلا إذا كان هذا المبرر هو الرغبة فى العكننة على الناس، مرة فى الصيف، وأخرى فى الشتاء!
كان هذا القرار، إذن، أحد قرارين اتخذهما شرف، خلال وجوده على رأس حكومته، وما عداهما أو بمعنى أدق، ما عدا أحدهما، فإن أحداً لا يكاد يذكر له قراراً اتخذه يكون ذا قيمة!
سوف أذكر القرار الثانى حالاً، ولكن قبل أن أذكره، أريد فقط أن أشير إلى ما سوف يذكره التاريخ لاحقاً، عن أنه إذا كان هناك رجل قد أساء إلى ثورة 25 يناير عن قصد، أو عن غير قصد، فهذا الرجل هو عصام شرف، لا لشىء إلا لأنه هو أول مَنْ سمح بالاحتجاجات الفئوية ورعاها، ومن يومها لا يكاد الاحتجاج من هذا النوع يتوقف فى هذه المحافظة إلا ليبدأ فى تلك، ولا يكاد يختفى هنا حتى يظهر هناك، إلى أن تحولت حياتنا فى النهاية إلى مسخ من النوعية التى تراها بعينيك فى هذه اللحظة!
لا أحد بالطبع ضد مطالب أصحاب هذه الاحتجاجات، ولا يجوز أن يكون أحد ضدها، لأنها مطالب طبيعية ومشروعة، ويجب تفهمها فى كل الأحوال، ولكن.. ما أتحدث عنه تحديداً هو ذلك المشهد الذى عايشناه جميعاً فى وقته، يوم خرج عدد من أبناء قنا، وعطلوا القطارات، اعتراضاً على محافظ جديد كان قد ذهب إليهم.
يومها بالضبط كانت البداية، ومن بعدها سارت الحكاية كأنها عدوى، إلى أن صارت بالشكل الذى لا تخفى معالمه ولا ملامحه، الآن، علينا جميعاً.. ومرة أخرى، فإن أحداً بيننا لم يكن ضد أن يعبِّر أبناء قنا عن رأيهم فى ذلك المحافظ، أو فى غيره، ولكننا كنا ولانزال ضد الطريقة نفسها، والأسلوب ذاته.. إذ لا يمكن لدولة عاقلة فى الدنيا أن تسمح لبعض أبنائها بأن يخرجوا ثم يفترشوا السكة الحديد، ويمنعوا سير القطارات، إلى أن يرحل مسؤول ليسوا راضين عنه!
حدث هذا فى أيام عصام شرف، لا أعادها الله، وصارت موضة من يومها، وأصبح تعطيل أو قطع أى طريق، منذ تلك اللحظة، شيئاً عادياً جداً، ويكاد يكون أقل من عادى، بدليل أنه لم يعد يستوقفنا ولا أصبحنا نستغربه، أو حتى نندهش له، مع أنه، فى حد ذاته، مأساة من المآسى!
إننى مع أن يحتج مَن يشاء بالطريقة التى يحبها، وبكل الطرق السلمية المتاحة، حتى يحصل على حقه، ولكن.. دون قطع طريق، أو تعطيل سكة حديد، أو الوقوف فى وجه قضاء مصالح الناس، أو... أو... إلى آخره، وهذا ما لم يحدث طبعاً، وتحولت الاحتجاجات العشوائية، التى ابتدعها «شرف» إلى موضة، مع مرور الوقت، وكانت الثورة، بأهدافها العظيمة الثلاثة المعلنة، هى الضحية الأولى، ولا عجب هنا أن يكون واحد من مفكرى أمريكا الجنوبية قد قال منذ سنين، إن الاحتجاجات الفئوية العشوائية، مع وضع مائة خط تحت كلمة العشوائية هذه، هى، أى تلك الاحتجاجات، أول طريق القضاء على أى ثورة، والنيل منها، وإرهاقها إلى أقصى حدود الإرهاق.
بقى أن أقول إن القرار الثانى الذى كان «شرف» قد أصدره، هو التنازل عن أرض وأملاك جامعة النيل لصالح مدينة أحمد زويل، وهو قرار تسبب فى الأزمات المتلاحقة، أكثر بكثير مما ذهب إلى حل مشكلة، وأسس لوضع خاطئ ومعقد إلى اليوم!.. فلا سامح الله عصام شرف!
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم " .