سليمان جودة
لسنا أول دولة يتعثر مستثمروها، ولسنا أول دولة تواجه هذه الأزمة الاقتصادية المستحكمة، التى نواجهها فى الوقت الحالى، ولسنا كذلك الدولة الأولى التى يصل فيها عدد العاطلين عن العمل إلى هذا الحد المخيف، فالدول التى سبقتنا على الطريق ذاته، كثيرة، وبامتداد الأرض، غير أننا - حين تتأمل أنت طبيعة ما يجرى حولك - نظل الدولة الأولى التى تتعامل مع أصحاب الأعمال فيها بطريقة تؤدى إلى توقفهم عن العمل وخروجهم من السوق، لا إلى إقالتهم من عثرتهم، أو انتشالهم مما يمكن أن يصل إليه بعضهم، عن غير قصد، حين تحاصره الأزمات من كل اتجاه!
حدث من قبل أن أوشك الملياردير الأمريكى «دونالد ترامب» على الإفلاس، وحدث أن «جنرال موتورز» كادت تختفى من الوجود بسبب عقبات كانت فى طريقها، وحدث أن «فورد» كادت تصبح مجرد ذكرى.. وحدث.. وحدث.. لكن الحكومة هناك كانت تعرف أن إفلاس شركة معناه أن الاقتصاد الوطنى سوف يدفع الثمن من جسده، ومن كيانه، قبل أن يدفعه صاحب الشركة نفسه، أو يدفعه الذين سوف يتعطلون عن العمل، بسبب غياب الشركة عن حركة الأسواق، لذلك فإن الحكومة تكون أسبق الجميع إلى مساندة أى شركة من هذا النوع، حتى تقف على قدميها، وتكون الحكومة أيضاً أول من يمد يديه إلى أى صاحب عمل يواجه أزمات تهدده، وتكون، للمرة الثالثة، أول من يدعم الذين يعانون من أصحاب الأعمال، وأول من يقف وراء الشركات الكبيرة، التى يمثل غيابها عبئاً مضافاً على اقتصاد البلد، قبل أن يكون خسارة لأصحابها، لهذا السبب واصل «ترامب» عمله، وعاشت «جنرال موتورز»، واستمرت «فورد»، وهكذا.. وهكذا!
عندنا، يبدو الوضع مختلفاً كل الاختلاف، وتشعر وأنت تتابع ما يدور فى البلد، على المستوى الاقتصادى بشكل خاص، أن الحكومة تتمنى أن تفلس الشركات، وأن يسقط أصحاب الأعمال، وليس أدل على ذلك من أننا لم نسمع يوماً عن أن الحكومة سارعت من تلقاء نفسها إلى مد يد العون لصاحب العمل الفلانى الذى يعانى، أو المستثمر العلانى الذى أغرقته أوضاع الاقتصاد العامة فى ديون، لم يكن له ذنب فيها!
لم نسمع هذا، بل سمعنا أن البنوك التى قد تكون دائنة لواحد من هؤلاء، إنما تواصل حصاره، ومطاردته، وكأنها تريد القضاء عليه، بدلاً من أن تدفعه إلى أن يستجمع قواه، ويعود بشكل طبيعى إلى سوق العمل!
لا أقصد مستثمراً بعينه، ولا أشير إلى صاحب عمل محدد بالاسم، إنما أريد أن أنبه إلى أن إفلاس واحد، إذا أضيف إلى إفلاس آخر، ثم ثالث، فإنه يصبح إفلاساً عاماً. كما أن رواجاً إذا أضيف إلى رواج، ثم إلى رواج ثالث، على مستوى الأشخاص، فإنه يتحول فى النهاية، وتجرى ترجمته، إلى رواج عام يستشعره الناس فى حياتهم، ويلمسون أثره فى أحوالهم!
عندنا وزارة عليها لافتة كبيرة تقول بأن اسمها هو «وزارة الاستثمار»، وهو مسمى ينطق بأن مهمتها الأولى تعويم المستثمر الذى يواجه مشاكل، لا إغراقه، والأخذ بيده، لا إبعاده عن المسار الصحيح، وأظن أن وزيرها أسامة صالح يعمل من أجل الاستثمار، لا ضده، طوال الوقت، لكن من المهم أن يرى المصريون حصيلة عملهم حاضرة فى مثل هذه الحالات التى يحتاج أصحابها إلى إنقاذ عاجل، ويتلفتون حولهم بحثاً عن منقذ، دون فائدة!
لا تكونوا عوناً للظروف القاسية على المستثمر، أو صاحب العمل، وبادروا إلى إسعافه، وضخ الدماء فى عروقه، لأن الاقتصاد الوطنى القوى ليس إلا مجموعة من أصحاب العمل الأقوياء، ولا تستخسروا فيهم المساعدة الواجبة، فنصبح إزاء وزارة «استخسار».. لا «استثمار»!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"