توقيت القاهرة المحلي 20:12:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجريد البلد من المقام.. والقيمة

  مصر اليوم -

تجريد البلد من المقام والقيمة

سليمان جودة

الذين أزالوا رأس تمثال طه حسين من فوق قاعدته الهرمية، فى محافظة المنيا، طعنوا كل مصرى فى صميم قلبه، وأهالوا التراب على ذكرى رجل من المفترض أن يكون له تمثال فى كل بيت، وليس فى مسقط رأسه فقط. والحقيقة أن الذين ارتكبوا هذه الجريمة، فى حق رمز مضىء من رموزنا العظيمة، إنما هم ناس أعماهم الجهل، وانعدام الأفق، وألقى التعصب الأعمى غشاوة على أعينهم، ففقدوا القدرة على الرؤية والتمييز! وحين تتطلع حولك، ثم تتابع ما يجرى، وتحاول ربط بعضه ببعض، سوف تكتشف أن جريمة المنيا ليست الأولى من نوعها، وأن ما سبقها قد أغرى بها، لأنه كان يمهد لها، وأنها إذا كانت قد استهدفت تجريد عميد الأدب العربى، طه حسين، من القيمة التى كان ولايزال يمثلها لكل صاحب عقل وضمير، فإن استهدافاً من النوع ذاته جرى ويجرى، على مستويات كثيرة، بحيث تأتى هذه الجريمة الشنيعة متسقة مع السياق العام الذى نعيشه، وليست متناقضة معه بأى حال من الأحوال! إن استهداف المحكمة الدستورية العليا، منذ البداية، كان فى الاتجاه نفسه، وعندما انتهى الاستهداف بإخراج العظيمة تهانى الجبالى من المحكمة، فإن ذلك فى حد ذاته كان تجريداً لـ«العليا» من مقامها، ومن قيمتها، بقدر ما كان العدوان على رأس تمثال طه حسين تجريداً لصاحبه من مقامه، ومن قيمته التى لا يجادل فيها عاقل! وعندما تم إخراج المستشار عبدالمجيد محمود من منصب النائب العام، بالطريقة التى خرج بها، وجاء النائب العام الجديد إلى مكانه، بالطريقة التى جاء بها، لم تكن المشكلة أبداً لدى الذين رفضوا طريقة الخروج، وطريقة المجىء، فى شخص المغادر، ولا فى اسم القادم من خلفه، وإنما كان الرفض لأن المسألة فى إجمالها كانت تنطوى أول ما تنطوى على تجريد المنصب الرفيع من المقام، ومن القيمة، بصرف النظر تماماً، عن اسم شاغله، أو شخص الجالس على الكرسى فيه! وعندما يترك رئيس الحكومة تلال المشاكل، التى هى بحجم الجبال فى البلد، ثم يتكلم فى أمور الرضاعة، فإن الحكاية لا تختلف مطلقاً عن حكاية رأس تمثال عميد الأدب، فكلتاهما تجريد للشىء من مقامه، ومن قيمته، وإلا فهل تتصور مقاماً، أو قيمة، لمنصب رئيس الحكومة، إذا كان الرجل الذى يملأ المنصب، أو المفترض أنه يملؤه، يتجاهل كل ما حوله، ويفقد الإحساس به، ويتحدث، بالتالى، فى شؤون الرضاعة؟! وعندما تستبعد «الأهرام» أسماء بوزن أحمد عبدالمعطى حجازى، وعبدالمنعم سعيد - مثلاً - من بين كُتابها، فليس لإجراء من هذه النوعية معنى، إلا أنه تجريد للمؤسسة العريقة من المقام، ومن القيمة، وإلا أيضاً فإن لنا هنا أن نتذكر كيف أن محمد حسنين هيكل كان قد تعاقد فى أيامه مع توفيق الحكيم، ليأتى إلى الأهرام، لا ليكتب، ولا ليفعل أى شىء، وإنما ليكون موجوداً فى الأهرام، وفقط، ففى وجود مثله قيمة للمكان، ومقام للمؤسسة وإضافة لها.. مجرد وجوده لا أكثر ولا أقل. وعندما يختفى اسم إبراهيم سعدة من أخبار اليوم، دون مقدمات، ودون تفسير للقارئ، ودون إحم ولا دستور، فإن فى إجراء كهذا تجريداً لأخبار اليوم من المقام، ومن القيمة التى تمثلها، لأن إبراهيم سعدة فى النهاية ليس مجرد رئيس مجلس إدارة سابقا، أو رئيس تحرير أسبق، وإنما هو صاحب قلم، لا صاحب وظيفة، وهو الرجل الذى كان إذا كتب صفحة كاملة فى الجريدة ظل القارئ يلهث وراءه، حتى يبلغ نهايتها، وهو أيضاً الكاتب الذى كان يهز البلد، إذا كتب مقال «آخر عمود» الشهير! هذا كله يبدو طبيعياً جداً فى سياقه، وفى أجوائه.. لماذا؟!.. لأن أداء «مرسى» شخصياً بتجاهل طلبات الناس يظل تجريداً للرئاسة، من المقام، ومن القيمة، كما فعلها مبارك عندما قال «خليهم يتسلوا»! نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجريد البلد من المقام والقيمة تجريد البلد من المقام والقيمة



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon