توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر تبحث عن أكسجين

  مصر اليوم -

مصر تبحث عن أكسجين

سليمان جودة

أكتب هذه السطور من الفلبين فى أقصى جنوب شرق آسيا، وهى دولة اشتهرت عندنا بأشياء كثيرة، ربما يكون أهمها حكاية الرئيس ماركوس، الذى كان قد حكمها لعشرين سنة من عام 1966 إلى 1986، ثم هرب إلى هاواى، حيث قامت عليه ثورة شعبية ومات خارج بلاده، وكانت زوجته إيميلدا قد هربت معه طبعاً، وكانت أيضاً قد عرفها العالم بغرامها العجيب باقتناء الأحذية الجديدة، ولانزال نذكر إلى الآن كيف أن صحف الدنيا قد راحت تتبارى يوم هروبهما فى عرض أحذيتها التى تركتها وراءها فى القصر، وكانت أحذية من كل نوع بلا حصر! وسوف أعود إلى موضوع ماركوس وإيميلدا فيما بعد، ولكنى أريد اليوم أن أقول إن الواحد منا عندما كان يتاح له السفر، قبل الثورة، فإنه لم يكن يتردد فى ذلك، مهما كانت وجهة السفر، ومهما كانت مشقته، ولم يكن ذلك حباً فى الترحال فى حد ذاته بقدر ما كان وقتها، رغبة فى العثور على بلد خارج مصر، تكون فيه حياة! إننا جميعاً نعرف أن الحياة كانت قد تجمدت فى البلد طوال ما قبل الثورة وعلى مدى 30 عاماً كاملة، وكان الرئيس السابق حسنى مبارك يريد لسبب لم يكن مفهوماً، أن يسلم البلاد لمن بعده، كما أخذها عن السادات بالضبط، ولهذا فإنه حافظ على كل شىء تقريباً، فى مكانه، على أمل أن يأتى حاكم من ورائه يتسلم التركة كما هى، ولم يكن مبارك يدرك فيما يبدو أن العالم من حولنا ليس متجمداً مثلنا، ولا ينتظرنا، وأننا عندما تجمدنا فإننا تراجعنا أميالاً وأميالاً عن الذين كانوا معنا على أرض واحدة، يوم آل إليه الحكم عام 1981. كنا نسافر قبل ثورة 25 يناير جرياً وراء بلد مغاير، تكون فيه حياة وحركة وحيوية، وكان كثيرون بيننا يراهنون فى تلك الأيام على أنك تستطيع أن تترك مصر لعشرة أعوام كاملة، ثم تعود فتجدها كما تركتها، كما هى، ودون أى تغيير يمكن أن يكون قد طرأ عليها هنا أو هناك، وكان رهان كهذا صحيحاً إلى حد بعيد، ولم يكن فيه شىء من المبالغة! اليوم يغادر الواحد منا بلده فى ظروفه هذه ليس بحثاً عن بلد آخر فيه حركة، كما كان يحدث فى السابق، فالحركة فى بلدنا لا تتوقف، ولكن ما يبحث عنه المسافر من مصر هذه الأيام هو الأكسجين، الذى يعانى ندرة فى الأسواق، ويكاد يختفى من هوائنا، فلا يعود المصرى، والحال هكذا، قادراً على أن يتنفس!.. فأنت لا تصادف أحداً فى أى ركن من مصر فى الوقت الحالى إلا وتشعر منذ الوهلة الأولى بأنه يختنق، وأنه محبط، وأنه يائس، وأنه يفتش عن بارقة أمل فى الأفق، فلا يكاد يقع لها على أثر! كان المصريون يتصورون أن الثورة سوف تبدل حالهم، وأن جمود ما قبلها سوف ينقلب إلى حركة ممتلئة بالحياة بعدها، وأن خمود ما سبق سوف يتحول إلى طاقة متدفقة فى كل اتجاه فى الحاضر، وأن كساد ما مضى سوف يصبح بفعل الثورة انتعاشاً يحس به كل مصرى فى حياته، فإذا بكل ذلك مجرد سراب، وإذا بالهواء نفسه وقد جف فيه الأكسجين، بحيث بدا الجو العام وكأنه جبل استقر فوق صدر كل واحد فينا، فضاقت به الدنيا، وضاق هو بها! كيف تحولت الثورة من حلم إلى كابوس؟ وكيف يمكن أن تعود إلى سيرتها الأولى؟ هذا هو السؤال الذى يجب أن يؤرقنا، فلا يجىء لنا نوم حتى نجيب عنه، ثم نترجم إجابته واقعاً فى حياتنا على كل مستوى.. مصر تشتهى الأكسجين! نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر تبحث عن أكسجين مصر تبحث عن أكسجين



GMT 09:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 09:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 09:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 09:06 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 09:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 09:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 08:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاستقلال اليتيم والنظام السقيم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon