سليمان جودة
نشرت الأهرام، أمس، فى صفحتها الأولى، أن الداخلية انسحبت من ميدان التحرير!.. وهو انسحاب ليس الأول من نوعه، لأنه تم من قبل بالطريقة نفسها، عدة مرات، ولكن وجود الخبر هذه المرة فى الصفحة الأولى، وبالبنط العريض هكذا، يجعل المواطن المهموم بأمنه، وأمن بيته، وأسرته، وبلده، يتساءل على الفور، عن شكل أو حقيقة الطرف الذى انسحبت أمامه وزارة الداخلية، بجلالة قدرها، وتركت الميدان فى عهدته؟!
تبحث أنت، فى تفاصيل الخبر، عن هذا الطرف، فلا تجد شيئاً يشفى غليلك، وتظل بالتالى تتساءل عما إذا كان الانسحاب قد جرى أمام الحى الذى يتبعه الميدان - مثلاً - أو أنه قد جرى أمام الباعة الجائلين، أو أمام الألتراس، أو أمام أى طرف آخر، فلا تقع على شىء أبداً!
زمان.. كان انسحاب الداخلية أمام المتظاهرين، فى أول الثورة، أمراً جائزاً، ومقبولاً، لأن الميدان كان وقتها ممتلئاً عن آخره بالثوار، الذين هم أصحاب الثورة الحقيقيون.. أما اليوم فلا أحد يعرف، فى يد مَن بالضبط، يستقر الآن أهم ميدان فى البلد، وأشهر ميدان الآن فى العالم، وتكاد تشك وأنت تقرأ خبر انسحاب الداخلية منه، أنه أصبح تابعاً لدولة أخرى غير مصر، وأن حفظ الأمن والنظام فيه، باعتباره قطعة أصيلة من البلد، لم يعد من بين مهام وزارة داخليتنا، وأنها لذلك انسحبت دون مقدمات!
المحزن فى الموضوع أن الإعلان عن خبر الانسحاب تم، وكأنه شىء يتباهى به صاحبه، مع أنه شىء يسىء إليه جداً، وينال من قدره، وحجمه، وهيبته، ومكانته، التى يجب كلها أن تظل محفوظة، ومصونة، طوال الوقت، وإذا لم تحافظ الداخلية على هيبتها أو مكانتها، فى كل شبر، بكل ما تملك، فلن يحافظ أحد لها عليها!
ولابد أن وزير الداخلية يعرف جيداً أن هناك اتفاقاً مكتوباً، وموثقاً فى الدستور، وفى القانون، بين الوزارة والشعب، من أجل قيامها بحفظ الأمن والنظام، فى التحرير، وفى غير التحرير، فإذا جاءت هى، وتخلت هكذا فجأة عن الميدان، فإن من حق الشعب، الذى هو «طرف ثان» فى اتفاق مكتوب، أن يسأل عما إذا كانت قد استأذنته، وهى تنصرف، أم أنها اتخذت هذه الخطوة من تلقاء نفسها، ودون الرجوع إلى الطرف الثانى الذى لا يستقيم الاتفاق المكتوب بينهما، بغير رضاه؟!
منذ متى بالضبط، ترفع الداخلية يدها، كاملاً، عن مواقع حيوية من هذا النوع فى البلد، وبهذه الطريقة الغريبة، والمريبة، والمرفوضة، ومنذ متى يبقى الميدان نهباً لكل مَن أراد أن يروّع الناس، وينشر الخوف والفزع بينهم؟!
هل حصل الوزير على إذن من رئيس الحكومة، وهو ينسحب؟!.. وهل أقر رئيس الدولة انسحاب داخليته من الميدان هكذا؟!.. وهل ترضى جبهة الإنقاذ عن هذا الانسحاب وتباركه؟!.. وهل يرضى عنه حزب الحرية والعدالة ويؤيده؟!.. وهل يُقره فضيلة المرشد العام ويسلم به؟!.. وهل.. وهل.. إلى آخر هذه التساؤلات التى لابد أنها تغلى فى أعماق كل مواطن قرأ الخبر، ولم يصادف له تفسيراً ولا شرحاً فى أى مكان؟!
لمن على وجه التحديد سلمت الداخلية ميدان التحرير، وهى تنسحب؟!.. هذا هو السؤال.. ثم إذا كان انسحابها يُخل بالاتفاق المكتوب بينها وبين الشعب، على نحو فادح، فوفق أى اتفاق تعمل؟!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"