سليمان جودة
يمتلئ قرار منع أنُسى وناصف ساويرس من السفر بالمعانى الموجعة، على كل مستوى، ولكننا يمكن أن نتوقف عند ثلاثة منها على الأقل، لنرى من خلالها كيف أن الذين يحكمون البلد، هذه الأيام، ليسوا على أدنى دراية بفن إدارة البلاد، وبالتالى، فإنهم آخر الذين يصلحون للحكم!
أول المعانى الموجعة فى القرار، أنه صدر بإشارة من وزير المالية، وهى مسألة تدل على أن الرجل لا يعرف ماذا يريد فى منصبه، إذْ المفترض، فى أى وزير مالية، أنه يعمل طول الوقت، على تعظيم موارده، وتقليل إنفاقه، ومن شأن قرار منع اثنين من آل ساويرس أن يؤدى إلى العكس تماماً، بدليل الخسائر الفادحة التى أصابت البورصة، بمجرد الإعلان عن القرار، وقد كانت خسائر بالمليارات، وكانت خبراً بارزاً فى الصفحات الأولى من كل الصحف، بما يعنى أن الوزير جاء ليكحلها، كما يقول المثل الشعبى، فأعماها!
أما المعنى الموجع الثانى، فهو أن الرسائل السلبية التى سوف تصدر عن القرار، إلى الخارج، سوف تكون كثيرة، وبلا عدد، وسوف يكون تأثيرها مدمراً، وليس ما أصاب البورصة إلا مجرد بداية مباشرة، لا لشىء، إلا لأن آل ساويرس، كأسرة صاحبة أعمال، تظل معروفة جداً فى خارج البلاد، ولذلك، فإن أى شىء يخصها، يؤدى إلى صدى واسع فى شتى أسواق العالم، فما بالك إذا كان هذا الشىء هو منع ساويرس الأب، ومعه الابن، من السفر، مع وضعهما على قوائم ترقب الوصول؟!.. فمن هو الشخص المجنون الذى أشار بقرار من هذا النوع؟!.. وهل كانت هناك حسابات مسبقة ودقيقة لتداعيات مثل هذا القرار على مناخ الاستثمار تحديداً، فى بلد يحتاج فيه الاستثمار إلى معجزة لإعادته إلى ما كان عليه؟!
إن التهمة الموجهة إلى الرجلين، أنهما متهربان من دفع ضرائب مستحقة عليهما.. حسن جداً.. سوف نفترض أن التهمة صحيحة، وسوف نفترض أن المبلغ الذى تهربا من أدائه لخزينة الدولة، أضعاف ما هو معلن، وسوف نفترض أنهما يجب أن يدفعا ما عليهما، الآن، وفوراً.. وسوف.. وسوف.. فهل هذه هى الطريقة، بالله عليكم، التى يمكن أن يجرى بها التعامل مع ملف ضريبى يخص أسرة لها اسمها، ووزنها فى عالم الأعمال، وهل بهذا الأسلوب الفج يمكن أن تأتى أى موارد لخزينة الدولة؟!
ومنذ متى كانت الملاحقة، أو المطاردة، تؤدى إلى أى شىء إيجابى، فى دنيا الأعمال؟!.. وهل القرار قرار اقتصادى خالص، أم أن له أبعاداً سياسية؟!.. وإذا كانت هذه هى أبعاده، فهل أدرك الذى اقترحه حجم عواقبه الاقتصادية الهائلة، وهل.. وهل.. إلى آخر مثل هذه التساؤلات التى انطلقت منذ اتخاذه، فى كل اتجاه، دون أن يكون لدى أحد من الذين يحكمون إجابة واحدة مقنعة عنها؟!
ويبقى المعنى الموجع الثالث أن حسن مالك، رجل الأعمال الإخوانى، كان قد قال فى لندن، قبل نحو شهر من الآن، إن الدولة تتجه إلى التصالح الحقيقى مع جميع رجال الأعمال، وإنه يتمنى ــ وقتها ــ لو عاد معه على الطائرة نفسها، رجال أعمال مصريون موجودون فى العاصمة الإنجليزية.
فى حينه، قلت إن ما صدر عن مالك شىء جيد للغاية، باعتبار أن الرجل صاحب أعمال كبير، وباعتباره مقرباً من دوائر الحكم، وهو، لهذين الاعتبارين، يعرف عائد التصالح مع رجال الأعمال، الذين لا يعرف أغلبهم ما هى تهمته بالضبط!
وكان تقديرى، ولايزال، أن كلام مالك، يجب أن يتحول إلى قانون، يصدر عن الدولة، لا أن يكون الأمر مجرد رغبة صادرة عن شخص فيها، مهما كان موقع هذا الشخص، ومهما كانت قيمته!
فإذا بقرار آل ساويرس يضرب رغبة مالك فى مقتل، وإذا به يتكلم لغة، بينما يتحدث وزير المالية لغة مناقضة، وإذا بالدولة كمن يعطى إشارة يمين، ثم ينحرف فجأة إلى الشمال!!
إنهم دائماً يبدأون بفرض العقوبة، ومنع السفر هو نوع من الاعتقال، إلى أن يبدأوا التحقيقات، أى عكس اتجاه المنطق والفطنة والقانون.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"