سليمان جودة
الرؤساء الأربعة الذين سبقوا الدكتور مرسى، بدءاً من محمد نجيب، مروراً بعبدالناصر والسادات، وانتهاء بمبارك، كانوا مسلمين وموحدين بالله، وكان كل واحد فيهم يصلى، ويصوم، ويحج، ويعتمر، ويؤدى زكاة ماله، ولكن هذا كله، لم يكن يظهر للناس، إلا فى القليل النادر جداً، ودون قصد إذا ظهر، ومن غير متاجرة به على المصريين.
ولابد أنك أدركت مناسبة هذا الكلام، وهذه المناسبة هى أن المواطنين فى هذا البلد لم يعودوا يرون «مرسى» إلا وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة، ثم وهو عائد منها، وبخلاف ذلك، فإن الرجل لا يكاد يظهر علينا، وأكاد أسمع همس كثيرين الآن، وهم يقولون بينهم وبين أنفسهم، إن عدم ظهوره من فضل الله على مصر، بمعنى من المعانى، لأن ظهوره، أو كلامه، يسبب مشكلة فى بعض الأحيان، ويثير أزمات فى أحيان أخرى!
ولو أن أحداً أحصى المرات التى ظهر فيها أى رئيس من الرؤساء الأربعة السابقين، وهو يؤدى صلاة الجمعة، فسوف يكتشف أنها معدودة على أصابع اليدين، ولم تكن الحكاية تشغل بال المصريين، لأنهم يدركون تماماً، أن صلاة الرئيس، أياً كان اسمه، إنما هى شأن يعنيه تماماً، ولا يعنى غيره، وبالتالى، فمن الأفضل أن يمارس هذا الشأن فى حياته، بعيداً عن الأعين، لأنه إذا صلى - مثلاً - فسوف يجزيه الله على صلاته، وإذا قصر فسوف يعاقبه خالقه، ولا علاقة لنا نحن بالمسألة، من قريب، ولا من بعيد!
والمشكلة التى يقع فيها «مرسى» أنه يكاد يتصور، مما يفعله أسبوعياً، بالذهاب والإياب من المسجد، أنه أدى ما عليه تجاه رعاياه، وليس أدل على ذلك، من أن المتابع لحركته، سوف يلاحظ أنه كرئيس، لا يواظب على شىء، قدر مواظبته على أداء صلاة الجمعة، وهى مسألة بالطبع محمودة فى حدودها، غير أنها لا تخص الفقراء الذين يجب أن يواظب على حل مشاكلهم، فى شىء!
يغدو «مرسى» ويروح إلى الجامع، وكأنه جاء إلى الرئاسة، لهذا الهدف وحده، ومن المفارقات اللافتة للانتباه بقوة، أنه كان متاحاً أمام الكاميرات والأضواء، يوم الجمعة الماضى، وخلفه الحرس بنظاراتهم السوداء، ونظراتهم المصوبة نحو الأفق، ثم إذا به هو نفسه، يختفى تماماً، فى اليوم التالى مباشرة، عندما نطقت محكمة الجنايات بالحكم فى مجزرة بورسعيد، وتناثر العنف فى أكثر من مكان على امتداد البلاد!
أى اليومين كان أولى بأن يخرج فيه رئيس الدولة أمام وسائل الإعلام: يوم الجمعة، وهو يصلى؟! أم يوم السبت، بينما نادى الشرطة يحترق فى وسط العاصمة؟!.
مساء أمس الأول، كنت على باب ماسبيرو، وصادفت صديقاً عزيزاً هناك، وما كاد يصافحنى، حتى بادر بالسؤال: أين رئيس الدولة؟
ولابد أن السؤال الذى ملأ عقل صديقى، قد ملأ عقولاً أخرى كثيرة بيننا، ولابد أنهم يتساءلون عن موقع الرئيس من الإعراب، فى إطار ما يجرى، فلا يجدون شيئاً يشفى غليلهم!
د. مرسى: صلواتك لك وحدك، وأمر يخصك.. أما عملك فللناس، بحكم موقعك.. ويؤسفنا أن تكون الأولى حاضرة طوال الوقت، وأن يكون الثانى غائباً تماماً!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"