سليمان جودة
إذا كانت رئاسة الجمهورية، فى هذه الأيام التعسة، تراهن على أن الناس تنسى، فليس من المتخيل أن تكون ذاكرة الناس، فى نظر الرئاسة، قد وصلت إلى هذا الحد من العطب والسوء!
فقبل أيام معدودة على أصابع اليد الواحدة، كانت محكمة القضاء الإدارى قد قضت بوقف إجراء انتخابات مجلس النواب فى موعدها الذى كان قد تحدد بقرار من رئيس الجمهورية.
وحين أعلنت «القضاء الإدارى» حكمها، فإن الرئاسة أعلنت من جانبها، فى اليوم نفسه، أنها تحترم كلمة القضاء، وأنها لن تطعن على الحكم.
وكان أصدق ما قيل عن حكم القضاء الإدارى، هو ما جاء على لسان عمرو موسى، الذى قال إن الحكم هدية من السماء.
وقد كان الحكم، لمن يتأمل توقيته وعواقبه، هدية حقاً، ليس فقط للمعارضة، وإنما لنظام الحكم أيضاً، وبالدرجة نفسها!
ففى الفترة السابقة على صدور الحكم، كانت جبهة الإنقاذ، التى تضم تيارات وأحزاب المعارضة الأساسية فى البلد، قد أعلنت مقاطعتها الكاملة والنهائية للانتخابات، وكان قرار الجبهة قد أوقع الرئاسة، ونظام الحكم إجمالاً، فى مأزق غير مسبوق، منذ جاء «مرسى» إلى الكرسى، فى منتصف العام الماضى، لا لشىء، إلا لأن إجراء الانتخابات دون أن تكون «الإنقاذ» طرفاً فيها، معناه المباشر، هو إنتاج برلمان مماثل لبرلمان 2010، الذى كان قد استحوذ عليه الحزب الوطنى وقتها، بما أدى بعدها بشهرين إلى قيام ثورة أطاحت بالنظام الحاكم السابق بكامله!
كانت رئاسة الجمهورية، وعلى رأسها مرسى، تحاول بأى طريقة، إغراء «الإنقاذ» لتغيير قرارها، وخوض الانتخابات، ولكن الجبهة قالت إن قرارها نهائى، وإن مطلبها هو تأجيل موعد الانتخابات، إلى موعد آخر، تكون فيه البلاد مهيأة لأن تجرى فيها انتخابات، ويكون المواطن قادراً، فى أجواء عامة مختلفة، على أن يختار ممثليه فى البرلمان، وهو حر من أى ضغط أو قيد.
وكان الأمل، فى ذلك الحين، أن تستجيب الرئاسة، وأن تؤجل الانتخابات فعلاً، لصالحها كرئاسة، قبل أن يكون لصالح الإنقاذ، ولكن كان من الواضح، أن هناك تصميماً مريباً، على أن تجرى الانتخابات فى موعدها.
وعندما صدر حكم القضاء الإدارى، فإنه جاء وكأنه بالفعل هدية من السماء، لأن الرئاسة إذا كانت قد وجدت حرجاً، من قبل، فى التراجع، فيمكنها الآن التراجع، استجابة لحكم القضاء، فتكون قد حققت مطلب المعارضة، وحفظت هيبتها فى وقت واحد!
وقد تفاءل كثيرون، يوم قالت الرئاسة إنها تحترم كلمة القضاء، وأنها لن تطعن، فإذا بالتفاؤل ينقلب بعدها بأيام إلى تشاؤم كامل، لأن الرئاسة تراجعت فجأة عن تعهدها، وقررت الطعن على الحكم!
وقد تابع المصريون قرار الرئاسة بالطعن، ولسان حالهم يقول إن قيمة رئيس الدولة ليست فقط فى أنه رئيس، ولكنها فى احترامه لنفسه، الذى لا يتحقق إلا باحترامه لكلمته، ولالتزامه أمام الناس، حتى ولو كان ذلك سوف يأتى على رقبته.. وإلا.. فماذا يتبقى من هذا المنصب المهيب، إذا كان شاغله يتحلل من التزامه، ومن تعهداته، ومن كلمته، بهذه الطريقة المخجلة؟!
نقلاً عن جريدة المصري اليوم