سليمان جودة
مرت ذكرى استرداد طابا يوم 19 من هذا الشهر دون أن يتوقف عندها أحد من الإخوان الذين يحكمون البلد هذه الأيام. وقد كانت هذه الذكرى، كلما حلت، طوال 24 سنة مضت، تحظى بما يليق بها من أهمية وحفاوة، لا لشىء إلا لأن الذين كانوا يحكمون هذا الوطن، على مدى تلك السنين، كانوا رغم خطاياهم يعرفون جيداً، ماذا تعنى طابا بالنسبة لهم، وبالنسبة لكل مصرى محب لبلده وماذا يعنى استردادها عام 1989، بعد مشوار شاق، وطويل، من الحرب والسلام معاً.
وكنت قد سمعت حكاية من الدكتور مفيد شهاب تبين لنا تماماً، لماذا غابت طابا عن ذهن «الجماعة» هذا العام، وبالشكل الذى حدث، ولماذا سوف تظل تغيب؟!
فالدكتور مفيد كان واحداً من أبطال استرداد تلك القطعة الغالية من أرضنا، وقد كان الرجل متواجداً فى مكان عام، قبل أسابيع من الآن، فإذا بواحد من المواطنين يسعى إليه ويبادر بمصافحته، وهو يصيح بأعلى صوته: أهلاً ببطل طابا!
ردّ الدكتور مفيد على الرجل، فى حزن، وقال ما معناه، إنه فى نظر الدولة الحاكمة الحالية لم يعد صاحب طابا، كما اشتهر بين الناس طول عمره، وإنما أصبح، ويا للأسف والأسى، صاحب هدايا الأهرام!
والحكاية كما نعرف، أن جهات التحقيق كانت قد استدعت الدكتور شهاب، منذ فترة، واتهمته بأنه حصل على هدايا من مؤسسة الأهرام، حين كان وزيراً، وأن قيمة الهدايا 18 ألف جنيه، وأن عليه أن يعيدها، فأعاد المبلغ وانصرف، وهو يستعرض فى ذهنه كيف أن مسيرة ممتدة فى حياته، من العمل من أجل الوطن بشكل عام، ومن أجل طابا بشكل خاص، لم يتبق منها فى نظر الذين يحكمون سوى هدايا الأهرام المتواضعة!
قصة كهذه، رغم أنها عابرة، إلا أنها تشرح جيداً كيف أن الإخوان إذا كانوا لا يرون فى «شهاب» إلا هدايا الأهرام، فمن الطبيعى للغاية، ألا يروا طابا ولا غير طابا، لأن فكرة الوطن غير واردة عندهم أصلاً، ولأن مصر عندهم يمكن اختزالها فى خلافة إسلامية هلامية، تمتد من باكستان شرقاً إلى المغرب غرباً!
طبيعى، إذن، أن يتوارى الاحتفال بطابا، وغير الطبيعى أن يحتفوا بها، وأن يحتفلوا، وفى كل مرة يدخل «الإخوان» اختبار الوطنية الحقة يرسبون فيه بجدارة، ويؤكدون من جديد أنهم مصممون على أن يتطلعوا إلى الوطن الرحب، من نافذة «الجماعة» الضيقة، فى حين أن العكس على طول الخط هو الصحيح!.. فالوطن سوف يبقى، و«الجماعة» سوف تزول.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"