سليمان جودة
قالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، مساء يوم الجمعة الماضي، إن الرئيس المصري محمد مرسي، قطع بعض الخطوات على طريق الإصلاح، مستجيبا لما كان قد تعهد به، أمام جون كيري وزير الخارجية الأميركي، أثناء زيارته الأخيرة إلى القاهرة.
الخبر نُشر بهذه الصيغة في أغلب الصحف المصرية الصادرة صباح الاثنين، وبعض هذه الصحف، وخصوصا الحكومية منها، أبرزه في الصفحات الأولى، وبالبنط العريض، في إشارة لا تخفى على أحد، إلى شيئين: أولهما بيان رضا الإدارة الأميركية عن الرئيس المصري، وثانيهما الرغبة في التأكيد على أن مرسي يعمل على الإصلاح فعلا، بعكس ما تريد المعارضة المصرية أن تقوله عنه، للعالم، صباح كل يوم!.
ولو أنصفت الصحف التي أخذت تصريح نولاند على هذين المعنيين، لكانت قد تجاهلت الخبر، أصلا، أو نشرته في حيز ضيق، وفي صفحة داخلية. لا لشيء، إلا لأنه عندما تتأمل معناه الإجمالي، وتقرأ تفاصيله، تكتشف أنه يسيء إلى الرئيس مرسي أكثر مما قد يضيف إليه، تحت أي ظرف!
ذلك أنك لست في حاجة إلى جهد كبير، لتدرك أن رضا الأميركيين عن مرسي خصوصا، ثم عن أي رئيس آخر عموما، ليس هو الشيء الذي يمكن أن نأمن إليه ونفاخر به، وإلا، فإن لنا أن نسترجع كلام هذه الإدارة الأميركية نفسها، عن الرئيس السابق حسني مبارك، خلال الأيام الأولى من ثورة 25 يناير، لنرى كيف أن الرضا المماثل عنه، قد انقلب فجأة، إلى سخط، وغضب، وضيق بالرجل الذي كان حليفا لهم، طوال 30 عاما!
وحين خرج هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركية الأسبق، عن صمته، إزاء أحداث الربيع العربي، قبل أسبوعين من الآن، فإنه قال إن مبارك كان يستحق معاملة أفضل من واشنطن في أثناء الثورة.. وبالتالي، فإن نقل تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، للقارئ المصري، على أنها علامة رضا، من الإدارة الأميركية، عن رئيس مصر، مسألة مردود عليها، ويجب أن يؤخذ ذلك الرضا، بحذر دائم، لأن رضا من هذا النوع، لا يأتي مجانا في كل أحواله، كما أنه قابل لأن يتحول إلى النقيض، في لحظة!
ليس هذا فقط، وإنما سوف يتبين لنا حجم الخداع الأميركي، عندما نقرأ في تفاصيل الخبر إياه، أن مرسي كان قد تعهد لوزير الخارجية الأميركي بأنه سوف يستجيب لرغبة القضاء في تأجيل انتخابات البرلمان، وأنه، كرئيس للبلاد، سوف يتعامل مع الموضوع بالطرق القانونية.
ولا بد أن هذه هي المرة الأولى، التي نعرف فيها، أن مرسي قد قطع على نفسه عهدا، بهذا الشكل، أمام جون كيري، وأن لجوء الرئيس إلى الطرق القانونية، في مواجهة حكم القضاء بتأجيل الانتخابات، قد أرضى الإدارة الأميركية، التي اعتبرت ذلك، خطوة على طريق الإصلاح!
وإذا كنت قد وضعت من جانبي، علامة تعجب، بعد كلمة الإصلاح، في العبارة السابقة، فقد تمنيت لو جعلتها مائة علامة تعجب، لأن الشيء الذي رأته إدارة أوباما، خطوة على طريق الإصلاح، من ناحية مرسي، كان ولا يزال، يمثل النقيض تماما، في نظر المعارضة المصرية، ثم في نظر قطاع عريض من المصريين!
ففي يوم صدور الحكم، بتأجيل الانتخابات، عن الموعد الذي كان قد تحدد بقرار من الرئيس، كان مرسي ذاته، قد تعهد للشعب المصري - علانية، وفي بيان مذاع - بأنه لن يطعن على حكم القضاء، وأنه يحترم كلمة هذا القضاء. وهو البيان الذي أثار يومها، درجة من الارتياح في أوساط المعارضة، وفي الشارع عموما، لأن تأجيل الانتخابات كان مطلبا مطروحا بقوة في الحياة السياسية، من جانب فصائل المعارضة الأساسية، طوال الفترة السابقة على حكم المحكمة. فلما صدر حكمها، جاء وكأنه «هدية من السماء» على حد تعبير عمرو موسى في ذلك اليوم، لأنه، كحكم، قد استجاب لمطلب رئيسي للمعارضة، ورفع الحرج عن الرئيس، في الوقت ذاته، وكان الأمل، لذلك كله، أن يتلقفه مرسي باعتباره طوق نجاة جاءه من حيث لم يتوقع.
غير أن ما حدث، بعدها بأيام، كان صادما لمصريين كثيرين، عندما استيقظوا ذات صباح، على أن خبر تخلي مرسي عن تعهده، بعدم الطعن على الحكم، وطعن عليه فعلا، ورفض طوق النجاة الذي كان ممدودا إليه، وداس بقدميه فوق الهدية التي رأى موسى أنها جاءت من السماء للجميع، وفي مقدمتهم مرسي بالطبع!
إذن، نحن أمام عدة مفارقات كاشفة، من بينها - مثلا - أن الرئيس أوفى بتعهده مع جون كيري وتحلل من تعهده مع المصريين، حول الموضوع نفسه!.. ومنها أيضا، أن ما جلب رضا الأميركيين إليه، هو ذاته، ما أسخط المصريين، أو قطاعا كبيرا منهم على الأقل، عليه، ومنها، ثالثا، أن ما اعتبرته نولاند وإدارة بلادها، سعيا إلى الإصلاح، إنما هو نكوص عنه، وتراجع عن طريقه، بامتياز، لأن مقياس الإصلاح الحقيقي، هو مدى رضا المصريين، لا الأميركيين، عما يفعله مرسي!
نقلاَ عن جرية الشرق الأوسط