مصر اليوم
تعرف مصر كلها أن إبراهيم سعدة موجود فى سويسرا منذ شهور طويلة، لأسباب خاصة، وأنه يحمل الجنسية السويسرية منذ كان طالباً يدرس هناك، وأن وجود هذه الجنسية فى جيبه لا يشكك لحظة فى ولائه لبلده، وأنه طوال سنواته فى «أخبار اليوم» رئيساً للتحرير، ثم لمجلس الإدارة، كان يستند إلى شيئين أساسيين: مهنية عالية، وموهبة متوهجة طوال الوقت!
ويعرف الذين أصدروا، أمس، قراراً بمنعه من السفر، وضبطه وإحضاره فى قضية «هدايا أخبار اليوم»، أنه كان يكفى جداً أن يذهب محقق إليه، حيث يتواجد، ليسأله ويسمع منه فى القضية، وبعدها، لا قبلها أبداً، تستطيع أجهزة الدولة المختصة أن تتخذ ما تشاء من إجراءات وخطوات، وبما أن شيئاً من هذا لم تفكر فيه الدولة ابتداء، فمن الواضح أن الهدف من قصة المنع من السفر، ومن الضبط والإحضار، مجرد تشويه صورة الرجل، وكأن الذين يحكمون مصر فى هذه الأيام السوداء، يصعب عليهم أن يتركوا رمزاً، فى أى مجال، دون محاولات لملاحقته، ومطاردته، وتشويهه بأى طريقة!
ويعرف المقربون من إبراهيم سعدة أنه ذهب يوماً بصحبة سعيد سنبل إلى إبراهيم نافع، يطلب منه أن تكون للمؤسستين معاً، «الأهرام» و«الأخبار»، مطبعة واحدة، لا مطبعتان فى 6 أكتوبر، توفيراً للنفقات العامة، وأن تتولى «الأهرام» مرحلة التعاقد كلها، ثم تشارك «الأخبار» فيما بعد ذلك، ولو كان الرجل من الذين تمتد أياديهم إلى المال العام، ما اقترح ذلك على إبراهيم نافع من أصله، ولكان قد أنشأ بدلاً من المطبعة، مطبعتين أو ثلاثاً، ولكان قد تولى التعاقد بنفسه، ولكان، ولكان إلى آخره، لولا أن هذا كله، لمن يعرفونه جيداً، لا يشغله، ولم يشغله فى أى مرحلة من مراحل حياته، التى كان فيها نجماً من نجوم الصحافة المحلقين فى السماء، ورمزاً من رموزها الكبيرة.
لكل مهنة أساتذتها ورموزها، وهؤلاء هم الرصيد الباقى فى الصحافة، للأجيال المقبلة، ومن المحزن حقاً أن تهان رموزنا بهذا الشكل الذى لا يقره دين، ولا شرع، ولا عُرف، ولا حتى ضمير، لأن بلداً بلا رموز إنما هو صحراء بلا حياة!
وعندما جاء السادات العظيم بإبراهيم سعدة رئيساً لتحرير «أخبار اليوم» كان يتباهى وقتها أمام الكاميرات بهذا الشاب الذى رفض أن يسىء لبلده، مقابل دولارات كثيرة، ولابد أن إبراهيم سعدة، صاحب هذه القصة الشهيرة، لا يمكن أن يكون طرفاً فى هدايا، أو غير هدايا، إذا كان هو قد ترفَّع، من زمان، عن أن يحشو جيوبه بالدولارات، إذا كان الثمن هو الإساءة لوطنه!
إبراهيم سعدة، لمن لا يعرف هو صاحب «آخر عمود» الشهير فى الصفحة الثانية من «أخبار اليوم»، وقد كان المفسدون، لسنين طويلة، يخشون هذا العمود، ويرتعدون منه، ولذلك لا يمكن أن تنال هذه الصغائر من صاحبه!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"