مصر اليوم
يبدو أن عدوى «الربيع العربي» قد وصلت إلى الجزائر مرتين: مرة من المغرب حيث الحدود تمتد بينهما بشكل مباشر، ومرة من عواصم «الربيع» على امتداد عالمنا العربي، وخصوصا القاهرة، وتونس العاصمة، وطرابلس الغرب، وصنعاء، ثم دمشق.
فالملك محمد السادس، ملك المغرب، كان قد بادر في فبراير (شباط) 2011 بتشكيل لجنة من أهل القانون، وطلب منها تعديل دستور بلاده، بما يأخذ في النهاية من صلاحياته التقليدية المتوارثة، ويضيف إلى صلاحيات رئيس حكومته.
وبطبيعة الحال، فإن توقيت تشكيل اللجنة، ينطق بأن الدافع الأساسي لها، يعود إلى رغبة الملك، في استيعاب درس الربيع العربي، الذي كان وقتها لا يزال في بدايته، كما أن محمد السادس أراد أن يكون الأمر فيما يخص الإصلاح السياسي في وطنه، بيده هو، وليس بيد غيره!
وكانت الجدوى الحقيقية للجنة من هذا النوع، متوقفة على ما سوف تنتهي إليه، وما سوف يتحقق على الأرض بعد انتهاء عملها، وحين نعرف أنها انتهت بعد ثلاثة أشهر من العمل، إلى ثلاثة إصلاحات رئيسة، ندرك على الفور أنها كانت لجنة جادة في مهمتها، وأن الملك كان صادقا في تشكيلها، وفي الأخذ بما سوف تتوافق عليه.
كان الملك محمد السادس يعين 1050 مسؤولا في مواقع مختلفة، بطول الدولة المغربية وعرضها، فأصبحت كلها تقريبا من اختصاص رئيس الوزراء، فيما عدا 37منصبا استراتيجيا، بقيت له كملك. كما حُدّدت صلاحيات الملك كأمير للمؤمنين على اعتبار أنه يرمز إلى السلطة الروحية في البلاد، وتعزز الدور التشريعي والرقابي للبرلمان.
هكذا كان المغرب، قبل عمل اللجنة إياها، وهكذا صار بعدها، ومن الواضح أن عدوى هذه اللجنة، قد عبرت الحدود بين المغرب والجزائر، فقرأنا قبل أربعة أسابيع عن لجنة مماثلة شكلها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، من خمسة أشخاص، على رأسهم أستاذ جامعي متخصص في القانون الدولي.
ولم تكن اللجنة الجزائرية هي التجلي الوحيد في الجزائر لأصداء ما يسمى الربيع العربي، فمن قبلها كان الرئيس بوتفليقة يتحسس خطواته وهو يعمل، ثم وهو يخاطب مواطنيه، وكان سلوكه في الحالتين يشير إلى إدراك لأبعاد ما يجري حوله، سواء في المغرب، أو في شتى دول العالم العربي، ولم يكن ذهاب رئيس وزرائه عبد المالك سلال إلى أقصى جنوب الدولة أكثر من مرة من أجل الحوار مع محتجين هناك، إلا تعبيرا عن يقين في أن ما كان يصلح زمان للتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات، أمنيا وفقط، لم يعد يجدي هذه الأيام.
وإذا جاز أن نسمي ما جرى ويجري في عواصم الربيع الخمس، بدءا من تونس العاصمة، ومرورا بالقاهرة، وطرابلس الليبية، وصنعاء، وانتهاء بدمشق، ربيعا خشنا، فإن ما جرى من إصلاحات مواكبة في الرباط، وفي عمان بالأردن، والمنامة، وغيرها، يظل إصلاحا ناعما يرجو أن يحقق مصلحة أبناء هذه الدول، دون أن يكون الطريق إلى تحقيق مصلحة عامة كهذه، مفروشا بالعنف، أو مغموسا في الدم!
الجزائر بدورها، تريد فيما يظهر أن تلتحق بدول الربيع الناعم، وتريد فيما يظهر أيضا، أن تستبق أي أحداث مفاجئة، وأن يكون الإصلاح على أرضها، مبادرا، ومتطوعا، قبل أن يجري فرضه عليها فرضا من خارج حدودها.
غير أن الأهم في الأمر كله، ليس أن تتشكل لجنة، ولا أن تضم اللجنة كبارا في موضوعها، وموضوعهم، ولا حتى أن تنتهي من عملها بتقرير ينال إعجاب المعارضين قبل المؤيدين.
ذلك أن هذا كله مهم دون شك، ولكن الأهم منه أن يكون الإصلاح الذي سوف تخلص إليه اللجنة الجزائرية إصلاحا حقيقيا، لا شكليا، وأن يتم تطبيقه عمليا على الأرض، بمثل ما حصل في المغرب، لا أن يوضع في الأدراج، بمثل ما كان قد حدث في الجزائر نفسها، قبل عامين من الآن!
واعتقادي الخاص، أن إصلاحا في الجزائر، دون تعديل المادة 74من الدستور الجزائري، لن يكون إصلاحا، ولن يكون اسما على مسمى، ولن يرضى عنه الجزائريون الطامحون في إصلاح عصري يخاطب المستقبل على نحو ما يجب أن يكون الخطاب فعلا.
فهذه المادة، كما يعرف المتابعون للشأن الجزائري، تم تعديلها عام 2008على يد الرئيس بوتفليقة، حتى يتمكن من الترشح للرئاسة لولاية ثالثة، وهو ما جرى بالفعل، وسوف تصل هذه الولاية إلى غايتها في عام 2014.
والسؤال هو: هل سيرشح الرئيس الجزائري نفسه، في انتخابات الرئاسة العام المقبل، في ضوء ما نعرفه عن أنه يتلقى علاجا الآن؟! وإذا لم يكن سيرشح نفسه، فلماذا لم يأتِ لهذه المادة، تحديدا، أي ذكر في المهمة الإصلاحية التي على اللجنة أن تؤديها.
بقي أن نذكر أن المادة المماثلة في الدستور المصري، كان الرئيس السادات قد عدَّلها في مايو (أيار) من عام 1980بما يتيح له أن يترشح لفترة ثالثة، فرحل الرجل بعدها بعام تقريبا، ولم يترشح طبعا، وبقيت المادة مفتوحة الفترات الرئاسية، فحكم مبارك بموجبها 30عاما، فكان ما كان في القاهرة منذ 25يناير 2011 إلى اليوم!
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"