سليمان جودة
غطت الصفعة الإثيوبية لنا، على كل ما عداها، وأحس كل مصرى بالإهانة منها، فانشغل بها عن غيرها، ولم يعرف أحد، كيف استطاع الدكتور مرسى أن ينام ليلته، منذ أن أعلنت إثيوبيا عن إقامة سد النهضة فوق نيلها الأزرق، بما سوف يؤثر مستقبلاً، على حجم الماء المتدفق فى النيل على أرضنا؟!.. كيف جاءه النوم، وهو يرى بلده يهان هكذا على يديه؟!
ومع ذلك، فلم تكن هذه أولى الإهانات، التى تصفع كل مواطن على وجهه، فى كل صباح، منذ جاء الإخوان إلى الحكم، ولن تكون آخرها، مادام هذا هو أداء نظام الحكم، ومادامت هذه هى طريقته فى إدارة أمور البلد، ومادامت هذه هى عشوائيته فى التعامل مع شتى الأمور!
ففى التوقيت ذاته، الذى تلقينا فيه إهانة إثيوبيا، كانت هناك إهانة أخرى، على مستوانا الداخلى، لـ90 مليون مصرى فى وقت واحد، وقد جاءتهم جميعاً، بشكل غير مباشر، وكان ذلك حين قضت محكمة الاستئناف بتغريم النائب العام، المستشار طلعت إبراهيم، 12 ألف جنيه، مع رفض طلب كان قد تقدم به، لرد القاضى الذى حكم، منذ فترة، ببطلان قرار تعيينه كنائب عام!
وكما ترى من مسمى الوظيفة التى يشغلها الرجل، فإنها تقول إنه «نائب عام» لا «نائب خاص».. والمعنى هنا، من عموميته، أنه نائب عن كل مصرى، ومدافع عن حق كل مواطن، فى مواجهة مؤسسات الدولة كلها، فإذا حدث وجاءه حكم بهذه الطريقة، وبهذه القسوة، فإن على المرء أن يتساءل عن حقيقة ما يشعر به الملايين التسعون فى أعماقهم من إهانة، لأن نائبهم العام، الذى هو رمز الهيبة، والاحترام، والوقار عندهم، تجرى معاملته هكذا، فيتم تغريمه على الملأ، فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ القضاء المصرى.. ليس هذا فقط، وإنما يجرى أيضاً رد طلبه إليه، بشكل ما كان له أبداً أن يضع نفسه فيه!
النائب العام رمز، ولا أحد يعرف كيف ارتضى المستشار إبراهيم لنفسه أن ينجر إلى خطوات أدت، فى نهايتها، إلى إهانة الرمز كما نرى، وأدت إلى إهالة التراب عليه، رغم أنه، كمستشار جليل، كان أغنى الناس عن أن يساق إلى الموقف الذى يجد نفسه فيه هذه اللحظة!
كيف يكون لنا، بعد اليوم، أن نتحدث عن ثقة، بين المواطن، وبين نائبه العام، وهى، كما نعرف، أساس هذا الموقع الرفيع، وهى السند لشاغله، فإذا انهار الأساس، انهار وراءه بالتبعية كل ما يستند إليه.. وبالمناسبة، مَنْ سوف يدفع قيمة الغرامة؟! هل ستدفعها الخزانة العامة، أم سيدفعها من جيبه الخاص؟!
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "