سليمان جودة
كان الدكتور عصام شرف، لا أعاد الله أيامه السوداء، حين كان رئيساً للحكومة، قد أرسل محافظاً قبطياً إلى محافظة قنا، فقامت الدنيا ضده هناك، ولم تقعد، إلى الدرجة التى عجز معها المحافظ المسكين عن دخول أرض المحافظة نفسها، فبقى فى القاهرة عدة أشهر، بينما المحافظة بلا محافظ يدير أمرها، إلى أن اختاروا رجلا آخر فى مكانه، وكان الانتظار لعدة أشهر مجرد رغبة فى حفظ ماء وجه الذى جاء بالرجل محافظاً، دون دراسة مسبقة لمدى قبوله، أو عدم قبوله، ثم كان بقاء المحافظة دون مسؤول على رأسها تعبيراً عن عشوائية كاملة ميزت الشهور العجاف التى قضاها «شرف» رئيساً لحكومة فى بلد بحجم مصر!
اليوم.. يتكرر المشهد فى وزارة الثقافة، مع فارق مهم للغاية، وهو أنه إذا كان الذين احتجوا ضد محافظ قنا إياه مجرد مجموعة عادية من أبناء المحافظة، فإننا الآن أمام هيئة كاملة من المثقفين، والفنانين، والمبدعين، انتفضت ضد وجود وزير الثقافة الجديد فى منصبه، ووصل الأمر إلى حد اقتحام المعترضين عليه مكتبه نفسه، والاعتصام فى داخله حتى يرحل!
المدهش، بل المحزن، أن السلطة التى جاءت بالوزير الجديد تتفرج على ما يجرى، وكأنه لا يعنيها، أو كأنه يجرى فى بلد آخر، أو كأنها ليست طرفاً أصيلاً وفاعلاً فى الموضوع.
تتفرج السلطة، بينما الوزير الذى جاء من غفلة من الزمان، يمزق أوصال وزارة الثقافة، ويهدم دار الأوبرا، ويحطم دار الكتب، ويقوض أركان هيئة الكتاب، ويغلق أبواب قطاع الفنون التشكيلية، ويهيل التراب على الوزارة بأكملها، ويضع أنف مصر فى الوحل بما يفعله، ويمارسه، ويواصله!
ولابد أن خطورة ما حدث، ويحدث، أن تغول جماعة الإخوان هذه المرة قد مس وتراً حساساً، وعصباً ملتهباً، لأنها كجماعة، لم تتغول على وزارة التموين، أو البيئة، أو الهجرة، أو أى وزارة أخرى تبدو غير مهمة، وإنما تغولت، وتتغول، بحماقة، على وزارة الثقافة، التى تتعامل فى النهاية مع وجدان البلد وعقله!
ونحن فى نهاية المطاف أمام جريمتين فى الملف كله، أما الأولى فقد تم ارتكابها، عندما جىء بالرجل إلى الوزارة، دون نظر مسبق فى المسألة، ودون حساب لما سوف يصادفه من قبول أو رفض مطلق كما هو حاصل فى لحظتنا!
وأما الجريمة الثانية، كاملة الأركان، فهى التمادى من جانب الذين عينوه، فى استبقائه، رغم أن قطاعات واسعة فى «الثقافة» نفسها، تلفظه، وكأن القصد هو أن يكيدوا للمثقفين، وأن يمحوا الوزارة ككيان من الوجود!
نتابع هذا كله فى أسف، وأسى، وألم، بينما الوزير يردد أنه يعتز بأنه شخص مغمور، وهى عبارة لا تليق بوزير ثقافة فى دولة درجة ثالثة!
نقلاً عن "المصري اليوم"