سليمان جودة
قبل 25 يناير 2011 بشهور، رحل خال أنس الفقى، وزير الإعلام الأسبق، كان الله معه فى محنته، ولأن الرجل وقتها كان فى عز هيلمانه، فإن برقيات التعازى المنشورة له فى «الأهرام» قد انهالت عليه كالمطر، ولم يكن المدهش فى حينه أن البرقيات قد انهالت بالشكل الذى جاءت عليه، فقد كان هذا متوقعاً، وإنما المذهل، أن كل الذين راحوا ينعون الخال، وقد كان علامة كبرى فى مجاله، كانوا لا يرون فيه، وهم يذكرون اسمه فى سطور النعى، سوى أنه خال وزير الإعلام، وقد كتبت عن الواقعة أيامها، منبهاً إلى أن النفاق، والحال كذلك، قد بلغ حداً لا مجال بعده لزيادة!
وقبل أيام، رحلت والدة الوزير أحمد أبوالغيط، وقد تكرر مع الرجل ما حدث من قبل مع الوزير الفقى، ولكن بالعكس على طول الخط!
ذلك أنى حين طالعت نعى الراحلة فى الجريدة نفسها، من جانب ابنها وزير خارجيتنا الأسبق، توقعت أن تكون الصفحات فى اليوم التالى مجالاً متسعاً لمن يحب أن يعزى الرجل فى أمه، خصوصاً أنه كان على رأس الخارجية لسبع سنوات متصلة، وكان مثيراً للجدل فى كل حالاته، وكان - فى تقديرى - وزيراً يراعى ربه، ومصالح وطنه، وهو يعمل فى منصبه الرفيع.
وقد كانت المفاجأة، التى يجب أن تخضع فيما بعد لدراسة دقيقة، من علماء السلوك البشرى، أن صفحة الوفيات لم تستقبل نعياً واحداً، ولا وحيداً، ولا كلمة واحدة، ولا حرفاً، يشاطر الرجل أحزانه فى وفاة أمه، ولا أعرف فى الحقيقة، ما هو شعوره تجاه ما حدث، ولكن ما أعرفه أنه لابد قد لاحظ ذلك جيداً، وأنه لابد قد توقف أمامه طويلاً، ثم إن ما أعرفه أيضاً، أننا لو تصورنا العكس، بمعنى أن تكون والدته قد رحلت وهو فى منصبه، لكانت الصفحات الخاوية الآن من أى مشاطرة، قد ضاقت عن آخرها بالذين يتزاحمون ويريدون أن يشاركوه أحزانه وآلامه!
الحكاية ليست جديدة على كل حال، وقد شهدناها من قبل مرات، وإذا كان هناك درس لنا فيها، فهو أن ينتبه الذين فى السلطة اليوم، وغداً، إلى أنهم إذا أصابهم مكروه فى عزيز لديهم، لا قدر الله، فإن الذين سوف يشاطرونهم حزنهم فى الصحف، لن يكونوا صادقين بأى مقدار فيما يقولونه، أو ينشرونه، وأن الموضوع كله نفاق رخيص فى نفاق أرخص، وأنه، فى جانب آخر، يعبر عن أصدق ما يكون عن حجم الخسة فى داخل كثيرين يعيشون بيننا!
ولست فى حاجة إلى أن أعيد التذكير بالقصة القديمة التى تروى أن ابن العمدة عندما مات، فإن البلد كله سعى فى جنازته، ليس حزناً على الولد طبعاً، ولكن تقرباً من العمدة، الذى لما مات هو نفسه، شيعوه وحيداً، ولم يذهب وراءه أحد.. فلا تبتئس أيها الوزير أبوالغيط!!
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "