سليمان جودة
نزل مجلس الشورى، يوم الثلاثاء الماضى، بميزانية الصيانة لقصور رئاسة الجمهورية، إلى واحد على خمسة، مما كانت عليه، طوال سنوات عشر مضت، ومن الواضح، أن أعضاء المجلس الذين مرروا الميزانية بهذا الشكل، قد ابتهجوا، وكأنهم حققوا فتحاً من الفتوح، متصورين أنهم وفروا للخزانة العامة للدولة، ما كان يجرى إهداره من قبل!
وعندمنا تتأمل أنت، هذا التخفيض لبند الصيانة، فى جوهره، تكتشف أن الأعضاء الموقرين، فى الشورى، تعاملوا مع الأمر، وكأن قصور الرئاسة، ملك خاص لرئيس الدولة، وبالتالى، فالنزول بهذا البند، بقدر المستطاع، هو أفضل ما يمكن عمله من وجهة نظرهم، التى لا ترى فيما يبدو، لأبعد من أقدامهم بمترين!
فالذين أتيح لهم أن يروا بعضاً من قصور واستراحات الرئاسة عن قرب، يعرفون أنها ثروة عقارية، وجمالية، وفنية، بأى معيار، وأن الحفاظ عليها، لا يقل أهمية عن عملية بنائها نفسها التى كانت قد جرت فى أغلبها، أيام العصر الملكى فى البلد، حين كان على أرض هذا الوطن، رجال يدركون قيمة الجمال فى المبنى، أى مبنى، وكانوا يحرصون عليه، ويحققونه فى كل خطوة نحو أى بناء جديد!
ولأن الذين أقاموا قصور واستراحات الرئاسة، قد استوحوا طرازها ونقوشها من أوروبا رأساً، فإنك لا تكاد تصل إلى باريس أو روما - مثلاً - حتى تجد نفسك وقد دخلت فى مقارنة تلقائية، بين حال القصور هنا، وبين حالها هناك.. فهى عندهم، شاهد حى على الأناقة، والشياكة، فى كل وقت.. وهى عندنا، تحولت فى كثير منها إلى شاهد على الإهمال، والتراخى، والقبح، وإذا كان هناك شىء يمكن أن يُحسب للدكتور زكريا عزمى، فهذا الشىء هو أنه كان حريصاً على أن تبدو هذه القصور، فى كامل روعتها، أيام أن كان مسؤولاً عنها، وأن تتاح للجمهور، ليراها ويستمتع بها، لأنها فى النهاية ملك له وحده، وليست ملكاً للرؤساء والملوك الذين تعاقبوا عليها.
ولابد أنه مما يثير حزنك، وأساك، وأسفك، أن تجد قصوراً، واستراحات، وفيلات، مما كانت فى وقت من الأوقات، آية من آيات الإبداع فى التصميم والإنشاء، وقد تحولت إلى مقار لمصالح حكومية، فتهدمت جدرانها، وتآكلت رسومها، وبهتت ألوانها، وصارت دليلاً حياً على أننا لا نستحقها!
صيانة أى مبنى، لا تقل أهمية عن عملية إقامته ذاتها، كما أن صيانته، هى التى تضمن استمراره، فما بالنا إذا كان المبنى قد أقيم على شاكلة قصور أوروبا؟! ولذلك، فإن الأمر لو كان فى يدى، لضاعفت الميزانية، لأن تخفيضها عدة ملايين، يعنى ضياع ثروة متمثلة فى هذه القصور، يستحيل أن تقدر بمال!
نقلاً عن "المصري اليوم"