سليمان جودة
عندما أصدر الرئيس عبد الناصر، قرارا في عام 1969بتعيين أنور السادات نائبا له، كان واضحا أن هذا النائب، سوف يكون هو الرئيس، في أي لحظة يخلو فيها مقعد الرئاسة، وكان الشيء الأوضح، أن خلو المقعد، وارد جدا، في ظل احتمالين كانا قائمين وقتها؛ أولهما أن عبد الناصر كان مريضا، منذ عام 76، وكان يتلقى علاجا مكثفا، وثانيهما أنه كان في طريقه إلى الرباط، لحضور قمة منعقدة هناك، وكان هناك كلام، بل معلومات، عن وجود خطة لاغتياله في العاصمة المغربية.
وفي الأحوال كلها، فإن أحدا لم يكن يتوقع، رغم قوة الاحتمالين، أن يخلو الكرسي الرئاسي بهذه السرعة، إذ سرعان ما فارق الرئيس دنيانا بعدها بشهور، وتحديدا في 28سبتمبر (أيلول) 1970، وأصبح على نائبه، والحال هكذا، أن يتقدم ليملأ منصبه.
ولم يكن سرا، أن المحيطين بعبد الناصر، ممنْ جرت العادة على إطلاق اسم «مراكز القوى» عليهم، كانوا غير راضين عن وجود السادات نائبا، وكانوا بالدرجة نفسها، غير مقتنعين بقدرته على أن يكون رئيسا لدولة بحجم مصر، ومع ذلك، فإنهم لم يمانعوا وصوله إلى الكرسي، بعد عبد الناصر، ليس لأنهم كانوا قد غيروا رأيهم فيه فجأة، وإنما لأنهم رأوا أن وجود رجل ضعيف مثله - من وجهة نظرهم - في قصر الرئاسة، سوف يتيح لهم أن يحكموا في وجوده، ومن خلف ستار!
ومن الواضح، أن السادات نفسه، كان يدرك في المقابل، ما يريدونه هم، وما يخططون له، ولذلك، فإنه بدهائه الذي اشتهر به، قد راح يسايرهم، ويرخي لهم الحبل، ويتظاهر بمكر الثعلب، بأنه لا يرى ما يدور حوله، إلى الدرجة التي راحوا هم فيما يبدو من جانبهم، يفركون أيديهم من الفرحة، ولماذا لا؟! وقد جاءوا برئيس ليس أكثر من لافتة إلى الحكم، وأصبحوا يحكمون من ورائها، ويفعلون ما يحلو لهم، ويديرون البلد كما يشاءون!
وفي الفترة من 82 سبتمبر 0791، إلى يوم 51 مايو (أيار)1791، كان السادات يدرك يوما بعد يوم، أنه لن يستطيع أن يحكم في وجودهم، وأنه لن يكون رئيسا حقيقيا ما داموا هم حوله، وأن الأمر لا يحتمل الجدل أو الفصال، فإما أن يحكم هو، أو أن يحكموا هم، ولا حل آخر في الوسط.
وهو، بدهائه مرة أخرى، قد تعمد أن يتركهم يخطئون، مرة بعد مرة، وكأنه لا يراهم، حتى إذا جاء منتصف شهر مايو عام 71، كانوا جميعا في قبضته، وكان الرأي العام في مجمله، مؤيدا لما فعله الرئيس بهم، لأنه، كرأي عام، كان يتابع سلوكهم، وتصرفاتهم، طوال الشهور الفاصلة بين رحيل عبد الناصر ومجيء السادات مكانه، ووقوعهم في يديه!
وقد كانت للسادات عبارة شهيرة، في وصف ما جرى منه إزاءهم، إذ كان يردد دائما، أنه لم يفعل شيئا سوى أنه شد الحبل الذي ربطوا أنفسهم به مسبقا، فسقطوا معا في الحال!
هذه الصورة على بعضها، لا بد أن تطوف في ذهنك، إذا ما قارنت بينها، وبين ما يجري حاليا، في حكم مصر، بين جماعة الإخوان، والدكتور محمد مرسي.
فبمثل ما إن مراكز القوى، في زمن عبد الناصر، قد جاءوا بالسادات، ليحكموا هم، لا هو، بمثل ما إن الجماعة جاءت بمرسي للهدف ذاته، وما كان يدور بين السادات من ناحية، ومراكز القوى من ناحية أخرى، منذ مجيئه رئيسا، إلى أن قاد عليهم «ثورة التصحيح» الشهيرة، هو بالضبط، ما يدور بين «الجماعة» من ناحيتها، ومرسي بدوره، وإن كان بشكل آخر طبعا!
وبالقطع، فإن رأي السادات، فيما كان يحدث حوله وقتها، يختلف تماما، عن رأي مرسي في ذات الاتجاه، لأن السادات كان يرى، ثم يترقب خلاصه من وضع لم يكن من الممكن أن يستمر، في حين أن مرسي إذا كان يرى، فإنه فيما يظهر لنا، ولأسباب نعرفها، لا يترقب خلاصا مماثلا، من جماعة تحكم باسمه طوال الوقت.
والفيصل هنا، إنما هو بين رغبة في الخلاص، وقدرة عليه، فالسادات كان راغبا، وكان قادرا بالدرجة نفسها.. أما مرسي فربما يكون راغبا، لتبقى قدرته موضع شك.
وليس هذا بالطبع، تحريضا لمرسي على جماعته، بقدر ما هو تنبيه جديد إلى أننا أمام وضع يستحيل أن يدوم، لأن البلد، أي بلد، لا يمكن أن يكون له رئيسان: واحد في الصورة، وآخر وراء الجدار، واعتقادي أن عجز الدكتور مرسي عن أن يكون رئيسا منجزا، طوال عام مضى، إنما يرجع في أساسه، إلى عدم قدرته على أن يجعل «الجماعة» في مقرها بجبل المقطم، فلا تتجاوزه إلى ما ليس من شأنها، كما أن مستقبله مرهون بقدرته على أن يحقق هذا الأمر، بحسم إذا شاء.. قد يكون أمرا صعبا للغاية، وقد يكون ضد طبائع الأمور، ولكنها مشكلته، التي لا يستطيع أحد أن يواجهها، ولا أن يحلها، سواه!
نقلاً عن جريدة " الشرق الأوسط " .