سليمان جودة
في ندوة أقيمت في مركز ابن خلدون في القاهرة، يوم 18 يونيو (حزيران)، قالت السيدة آن باترسون، سفيرة الولايات المتحدة لدى مصر، إن بلادها لن توافق على الحكم العسكري في الدولة المصرية، وإن هناك فرقا بين مرسي ومبارك لأن الأول منتخب، والثاني لم يكن كذلك، وحكم البلاد 30 عاما!
وعندما تطالع أنت كلاما كهذا، لا بد أن تسأل نفسك السؤال الآتي: منذ متى، بالضبط، كانت واشنطن ضد الحكم العسكري في مصر، أو في غيرها من بلاد العالم، ومنذ متى أيضا، كانت الإدارة الأميركية تساند الرؤساء المنتخبين، وتتخلى عن غير المنتخبين؟!
الإجابة تعرفها باترسون طبعا، وتعرف أيضا أنها إذا كانت ترفض، اليوم، الحكم العسكري، وتقبل بمرسي، لأنه غير عسكري، فإن هذا ليس كرها في الحكم العسكري، ولا حبا في الدكتور مرسي، ولكنه، كما نرى، يعبر عن سياسة أميركية نفعية خالصة، تدعم التيار الإسلامي عموما في المنطقة، وفي مصر خصوصا، لأهداف ليست خافية على أحد.
فالحكم العسكري الذي تقول السفيرة الأميركية، إن بلادها لن توافق عليه، في الوقت الحالي، هو نفسه الذي كان البيت الأبيض قد ظل يدعمه في مصر، وبكل قوة، منذ قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، إلى أن تخلى الرئيس السابق عن الحكم في 11 فبراير (شباط) 2011!
ولذلك، فالسؤال هو: ماذا تغير في الدنيا، بحيث راحت الولايات المتحدة، تبتعد عن دعم الحكم العسكري، الذي كان حكما مفضلا لها عندنا، لعقود من الزمان، من قبل، ثم تتجه إلى دعم حكم ديني إسلامي، كانت هي ذاتها، التي تقاومه، بقوة، طوال تلك العقود من الزمان، وكانت تلاحق رموزه في أركان الأرض، وتسائلهم، وتمنعهم من دخول أراضيها؟!.. ماذا جرى؟!
شيء من التأمل، سوف يقودك إلى أن هذا الدعم له أسبابه، التي تصب في المصلحة الأميركية، بشكل مباشر، وأنه ليس دعما مجانيا بالطبع، كما يتصور حسنو النية بيننا، عند الوهلة الأولى.
وهذه الأسباب تعود زمنيا، فيما يظهر، إلى أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، التي هزت أميركا، وخلعت قلبها.. فمنذ تلك اللحظة، برز اتجاه داخل الأجهزة الكبرى التي تحكم الدولة الأميركية، يقول بأن دعما للتيار الذي خرج من داخله الذين نفذوا عمليات 11 سبتمبر، قد يكون مفيدا لهم هناك، على الشاطئ الغربي من الأطلسي!
وكان هذا الاتجاه يرى، وربما لا يزال يرى، أن الفائدة من وراء دعم تيار ديني إسلامي في الحكم، في مصر، وفيما حولها، سوف تكون ثلاثية الأبعاد.
فهو، أي هذا الدعم، سوف يعود بالفائدة أولا على إسرائيل، لأن التيار الإسلامي الذي كان أكثر التيارات تشددا في رفض الوجود الإسرائيلي ذاته، سوف يكون مطلوبا منه، حين يصل إلى الحكم، بدعم أميركي واضح، أن يعترف بإسرائيل، ويراعي أمنها، على نحو لم يحدث من جانب أنظمة الحكم السابقة عليه، وهذا ما تحقق فعلا، حين قرأنا خطابا رسميا للدكتور مرسي، الإخواني، يصف فيه بيريس، رئيس إسرائيل بأنه «الصديق العظيم»!
فإذا ما تجاوزنا هذه الفائدة الأولى، للدعم الأميركي لوجود التيار الإسلامي في الحكم، اكتشفنا على الفور، أن هناك فائدة ثانية، وهي أميركية خالصة، وليست إسرائيلية، هذه المرة، وتتلخص في أن الإدارة في البيت الأبيض، رأت أنه إذا كان الذين هاجموا الولايات المتحدة، في أحداث سبتمبر، ينتمون إلى هذا التيار، وأنهم فعلوا ذلك لاعتقادهم بأن الرؤساء الأميركيين يدعمون الحكام المستبدين في بلاد العرب، ضد التيار الإسلامي، فإنها، كإدارة أميركية، سوف تُفسح الطريق أمام هذا التيار، نحو الحكم، وسوف تتخلى عن الحكام الآخرين، لعلها بذلك، تُبعد خطر المتطرفين عنها، وعن بلادها، وعن مصالحها!
ثم إن الفائدة الثالثة، هي أن الولايات المتحدة تعرف جيدا، أن فهم هذا التيار، للحكم، متخلف عن العصر وحقائقه، وبالتالي، فإن وجوده في السلطة، لأي فترة، طالت أو قصرت، كفيل بإعادة البلد الذي يحكمه إلى الوراء كثيرا، وهو الشيء المطلوب إثباته، كما يقال عند العثور على حل لمعادلة رياضية، مع الالتفات جيدا هنا، إلى أن إثباته هذا سياسيا، سوف يكون بالنسبة للولايات المتحدة، مجانيا، ولن يكلفها شيئا!
وقد يقول قائل، بأن هذا أمر طبيعي من جانب دولة تفكر في مصالحها كأميركا، وسوف أقول إن هذا صحيح، ولكن يبقى الأهم أن نكون نحن على وعي بالأسباب الحقيقية التي تجعلها تدعم هذا التيار في الحكم، وأن نتصرف معها، ومع غيرها، بناء على هذا الوعي، إلى أن ينقلب السحر على الساحر، كما حدث لها من قبل في أفغانستان!
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"