سليمان جودة
إذا رأى عدد من المواطنين أن يتواجدوا فى ميدان رابعة العدوية، وأن يظلوا هناك، وأن يتمسكوا بمكانهم، رغم كل ما حدث، فيجب أن نتركهم فى أماكنهم، وألا نطردهم منها بالقوة، فهذا هو اختيارهم بكامل إرادتهم، وهذا هو حقهم الذى يجب ألا ننازعهم فيه!
بل على العكس.. علينا أن نوفر لهم ما قد يحتاجون إليه فى موقعهم المختار، وأن نلبى ما يطلبونه، وألا نتأخر عنهم فى شىء، مادام هذا الشىء فى إطار العقل، وفى مقدور القانون!
يجب أن نحيطهم بسياج عازل، وأن نحمى وجودهم، حيث هم، وألا نضايقهم بأى صورة، وأن نجعل كل واحد فيهم يحس، وهو فى رابعة العدوية، وكأنه فى بيته، فيجد من جانب الحكومة ما يشربه، وما يأكله، وما قد يجد نفسه فى حاجة إليه من خدمات عامة، من أى نوع!
هؤلاء، فى النهاية، مصريون، ومواطنون، ووطنيون، ولكن مشكلتهم الحقيقية أنهم وطنيون على طريقتهم، وليس على طريقة الوطن الواسع الرحب، الذى يعيشون فيه مع غيرهم.. هذه هى مشكلتهم فى جوهرها، وعليهم هم، أن يدركوا، بأنفسهم، وبكامل وعيهم، اليوم، أو غداً، أو بعد غد، أنهم يغردون خارج السرب، وأنهم شاردون بعيداً.. وإلى أن يدركوا هم هذه البديهية، بأنفسهم، فسوف يكون من واجبنا أن نتعامل معهم برفق، وألا نؤخر عنهم طلباً، حتى وإن طلبوا حمام سباحة هناك يعومون فيه. هؤلاء معذورون، وعلينا أن نساعدهم، وأن نقف إلى جوارهم، وأن نأخذهم برحمة، وألا نكون قساة القلوب عليهم، وأن يشعروا فى كل لحظة بأنه لا أحد يرغب فى الانتقام منهم، ولا فى ملاحقتهم، أو محاصرتهم..
فكل واحد فيهم أراد بكامل قواه العقلية أن يكون فى هذا الميدان، وكل شخص فيهم ذهب إلى هناك باختياره الحر، ولذلك فمن حقه أن يبقى حيث هو فى هذا المربع، إذا شاء، مادام ملتزماً بآداب التواجد فى الشارع والميدان.. اتركوهم كما هم، وسوف يدركون فى لحظة ما، اليوم، أو غداً، ودون ضغط من أحد، أنهم أهل كهف العصر!
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "