سليمان جودة
كان عبدالمحسن أبوالنور واحداً من ضباط ثورة يوليو 1952 الشجعان، وقد تولى مناصب عدة بعدها، فكان - مثلاً - محافظاً لبنى سويف، وكان وزيراً للزراعة بعد المهندس سيد مرعى.
ومما قيل عنه، حين كان وزيراً، إنه لاحظ فى أول أيام عمله أن هناك موظفاً لا يتوقف عن الشغب فى الوزارة، فطلب من الشؤون القانونية إعداد قرار بفصله على الفور.
وحدث أن دخل موظف الشؤون القانونية على الوزير والقرار فى يده جاهز للإمضاء، غير أنه - أقصد الموظف المختص - قد انحنى على «أبوالنور» وهمس فى أذنه بأن الفصل فى هذه الحالة سوف يكون تعسفياً! وهنا سحب الوزير القرار من يد الموظف، ثم وضع عليه توقيعه كما يلى: يُفصل فصلاً تعسفياً!!
هذه حكاية أهديها إلى الدكتور حازم الببلاوى، رئيس الحكومة، ولابد أنه بفطنته سوف يلتقط المعنى الذى أريد منه أن ينتبه إليه فيها.
فالوزير أبوالنور كان يريد شيئاً محدداً، وكان يعرف ما يريده، فذهب إليه من أقصر طريق، ولم يشأ أن يلف أو يدور، وإنما راح يسمى الأشياء بمسماها الحقيقى، ولأنه كان يعرف أن فصل الرجل المشاغب إنما هو فصل تعسفى، فقد وجد عنده الشجاعة الكافية لأن يسمى ما يفعله باسمه تماماً، وأن يصارح من حوله بأنه لا يجد أى حرج فى أن يفعل ما يشاء، مادام مقتنعاً به، ومادام قد وجد صالح الناس فيه وليحدث بعد ذلك ما يحدث.
بهذا المنطق بالضبط نريد من الدكتور حازم أن يتصرف، فلا يخاف ولا يتردد ولو للحظة واحدة، فهو على رأس حكومة انتقالية صحيح.. ولكن الأصح من ذلك أن مهمتها - كحكومة - أن «تنقلنا» بحكم اسمها من حال كان موجوداً قبلها إلى حال آخر مختلف اختلافاً كلياً نرغب فيه معها وبعدها.
حكومتك يا دكتور حازم تملك تفويضاً مفتوحاً من المصريين كافة، ولابد أنهم يرغبون منها أن تكون على أكبر قدر من الجرأة والجسارة وهى تتخذ أى قرار، وأن تتحدث مع أى طرف خارجى حديث صاحب الحق الواثق من موقفه ثقة كاملة، لا حديث الذى يدافع عن نفسه وكأنه متهم!
يا دكتور ببلاوى.. أمامك فرصة لن تتكرر لتدخل التاريخ كرئيس حكومة قوى لا يهاب وهو يمارس عمله شيئاً ولا أحداً، إلا شعبه، فليس هناك حزب معين جاء بك إلى السلطة فتضع له اعتباراً، وإنما جاء بك المصريون جميعاً الذين خرجوا فى 30 يونيو رفضاً لعجز وفشل جماعة إخوانية تصورت أنها امتلكت البلد بمن فيه، ولذلك فأنت يا دكتور ببلاوى ليس لديك شىء وراءك تخشاه أو تقيم له حساباً، ولا تنتظر شيئاً فى المستقبل سوى أن تفارق موقعك حين تفارقه فيقال عنك بصدق إنك حكمت بمنتهى الحسم والقوة والعزم، وإنك لم تتأخر لحظة فى اتخاذ قرار أحسست أن فيه صالح الناس، وأنهم فى حاجة إليه، فلا تبدد فرصتك ولا فرصتنا، واحكم كما ينبغى لك ويليق بنا.
نقلاً عن "المصري اليوم"