سليمان جودة
قالت الصحف، الصادرة صباح أمس الأول، إن اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، قرر تزويد شرطة المترو بأجهزة حديثة لكشف المفرقعات، وأن ذلك سوف يتزامن مع استعانتها بالكلاب البوليسية، بالإضافة إلى التواجد الأمنى المكثف فى جميع المحطات.
والحقيقة، التى أتوقع أن يكون اللواء «إبراهيم» منتبهاً إليها، أن التواجد الأمنى المكثف، يمكن أن يكون رمزاً لوجود الشرطة فى كل موقع، واستعدادها لمواجهة أى موقف، ولكنه ــ أقصد هذا التواجد ــ ليس حلاً، أو بمعنى أدق فإنه إذا كان يمثل حلاً فى أوقات مضت، فالمؤكد أنه لم يعد كذلك الآن، لأنك كجهاز أمن عصرى، لا يمكن أن يكون فى مقدورك أن تضع شرطياً إلى جوار كل مواطن، وبالتالى فهناك حلول أخرى مختلفة، أخذت بها دول كثيرة فى العالم، وهى حلول تبدأ وتنتهى بتحديث أدوات جهاز الأمن، ليكون قادراً، فى كل لحظة، على المراقبة ذات الكفاءة العالية، بامتداد البلد كله، ثم على سرعة إغاثة أى مواطن يستغيث بشرطة بلاده، أياً كان الموقع الذى يستغيث منه هذا المواطن فى الـ27 محافظة.
لقد كنت، فى وقت مضى، أتابع حركة المرور فى أى عاصمة عربية أذهب إليها باندهاش بالغ، وكان مصدر الدهشة أننى كنت ألاحظ أن أى سيارة هناك تلتزم على الفور بالوقوف فى مكانها، إذا ما أضاءت الإشارة باللون الأحمر، رغم أن الوقت يكون فى الغالب فى منتصف الليل، أو فيما بعده، ولا يكون فى الشارع كله سوى هذه السيارة التى لو لم تلتزم، ومضت فى طريقها، فإنها لن تصدم أحداً، ولن تصطدم بسيارة أخرى!
وكنت أسأل نفسى، عما إذا كان التزامها الكامل يعود إلى ضمير يقظ لدى سائقها، أم ماذا بالضبط؟ مع ملاحظة أنه لا يكون هناك عسكرى مرور واحد فى الشارع كله!
ولم أكن أعرف، أن السائق يعرف، أن كاميرات حديثة موجودة فى الإشارة، وأن عيونها مفتوحة عليه بكامل اتساعها، وأن أى مخالفة من جانبه سوف يتم تسجيلها فى اللحظة ذاتها، وأن البوليس المختص سوف يكون قادراً على أن يأتى به «من قفاه» بعدها بدقيقة!
هذا بالضبط ما أقصده وما أريده بديلاً عن حكاية التواجد الأمنى البشرى المكثف، وأظن أن الدولة يجب ألا تبخل على الداخلية بأى مال، فى سبيل تحديث الجهاز بكامله، ليكون على الكفاءة العالية المطلوبة، وعندها، سوف لا تحتاج إلى وجود عسكرى واحد فى أى شارع، ولا فى أى إشارة، وسوف يفكر أى راغب فى المخالفة ألف مرة قبل أن يخالف لأنه سيكون على يقين، بأن حركته فى الشارع مرصودة ومكشوفة لحظة بلحظة.
لو كانت كاميرات كهذه متاحة عندنا، لكنا الآن نضع أيدينا على الذين ارتكبوا جريمة كرداسة، والذين أحرقوا الكنائس، والذين اقتحموا 21 قسم شرطة يوم فض اعتصام رابعة والذين.. والذين.. إلى آخر قائمة المجرمين الذين يحرمنا عدم تحديث جهاز شرطتنا بما يكفى من ضبطهم فى الحال وتقديمهم إلى العدالة ليدفعوا ثمن ما ارتكبت أياديهم.
سيادة الوزير.. من هنا تحديداً نبدأ، لأن التواجد الأمنى المكثف قد يخيف، ولكنه لن يردع معدومى الضمائر فى هذا البلد.
نقلاً عن "المصري اليوم"