سليمان جودة
سألت صديقى رجل الأعمال عن رأيه فى حزمة الدعم التى تقدمها الحكومة للفقراء، فقال إنه دعم فاشل من زمان، وإن الحكومة، أى حكومة، فى حاجة دائماً إذا أرادت أن تنجح إلى حلول مبتكرة، لا إلى حلول تقليدية متوارثة عن حكومات سبقتها.
قلت: كيف؟!.. قال: مثلاً أى دعم نقدمه للمستهلك لا المنتِج هو دعم يتبدد فى لحظته، ولا يفيد البلد فى شىء ولا حتى الشخص المدعوم نفسه، وتتحول الفلوس المخصصة للدعم فى هذه الحالة إلى مبالغ مُلقاة فى الهواء، لا فائدة منها، ولا عائد من ورائها.
قلت: هذا كلام شكله جميل، وفيه معنى، ولكن الذين سوف يقرأونه يريدون بالضرورة أن تضرب لهم مثالاً يزيد المسألة وضوحاً، ويجعلهم على يقين فعلاً من أن هناك فارقاً جوهرياً بين دعم تقدمه للمستهلك فيتبدد على الفور، ودعم آخر تقدمه للمنتج فيبقى ويظل أثره قائماً.
قال: لو الحكومة مثلاً قررت أن تقدم لكل مستحق للدعم دجاجتين بدلاً من دجاجة واحدة.. هل يمكن القول عندئذ إنها دعمته أو قدمت له ما يفيد فى حياته؟!.. لا بالطبع.. لأنك كحكومة، والحال هكذا، تكون قد ارتكبت خطأين قاتلين، أولهما أنك تدعم البطن، لا العقل، وهو ما انقطع صوت الدكتور صبرى الشبراوى منبهاً إلى عواقب استمرار دعم من هذا النوع، وثانيهما أنك، والحال هكذا، أيضاً سوف تشجع المستهلك على ما يفعله، بدلاً من أن تكبح جماح رغبته فى المزيد من الاستهلاك دوماً.
ثم أضاف صديقى رجل الأعمال: تصور العكس.. أى أن تقرر الحكومة التركيز أكثر على دعم المنتج نفسه، كأن تعمل على خفض سعر علف المواشى، فعندها سوف يؤدى الأمر إلى مزيد من إنتاج اللحوم، وإلى مزيد من إنتاج الألبان، و.. و.. إلى آخره، وسوف تجد نفسك أمام إنتاج مضاف ينزل إلى الأسواق، وليس أمام سلع تختفى منها، لا لشىء إلا لأنك إذا التزمت بالدعم من النوع الأول، فإنك تغرى أى مستهلك بأن يظل يخاطب بطنه طول الوقت.
ليس هذا فقط، وإنما يعرف الجميع أن دعم السماد للفلاح فى ظل الوضع الحالى صعب للغاية، لأن منتجى السماد يبيعونه للمزارع بالسعر العالمى، بعد تصنيعه من الغاز، ليتحول، أى الغاز، فى النهاية إلى ما يُعرف بالسماد الآزوتى، وبما أنه مسموح لمنتج السماد بتصديره فإنه يصدره بسعره العالمى، ويفرض هذا السعر على الفلاحين، وهو وضع إذا لم يكن يدل على فساد عظيم، فإنه يدل على غفلة من حكوماتنا المتعاقبة.
قلت: والحل؟!.. قال: الحل أن تستورد الحكومة سماداً من الخارج ثم تبيعه مدعوماً للمزارعين، وليكن بنصف السعر العالمى، ثم تمنع تصدير السماد المحلى، وعندئذ لن يأكله منتجه قطعاً، وإنما سيبيعه مضطراً للفلاح وبالسعر المدعوم ذاته، ونكون فى حالة كهذه قد دعمنا فلاحينا بما يستحقون، ومنعنا استغلالهم من منتجى السماد، وأتحنا لهؤلاء المنتجين أن يكسبوا، ولكن فى حدود المعقول.
حوار كهذا، تمنيتُ لو أنه كان على مسمع من الدكتور الببلاوى ومجموعته الاقتصادية، وبما أنه لم يكن حاضراً، فإننى أقدمه له مكتوباً، لعله يجد فيه ما يفيد فقراءنا.
نقلاً عن "المصري اليوم"