سليمان جودة
أعلن هشام رامز، محافظ البنك المركزى، أمس الأول، أن مصر قررت رد وديعة قيمتها 2 مليار دولار إلى قطر، التى كانت قد طلبت تغيير شروط تحويل الوديعة إلى سندات، وهو ما رفضته القاهرة، فكان هذا القرار.
الموضوع فيه تفاصيل أخرى جاءت فى «المصرى اليوم»، صباح أمس، منسوبة إلى مصدر فى «المالية» القطرية الذى قال إن حكومته كانت ترى تحويل الوديعة إلى سندات، على أربع دفعات كل دفعة 500 مليون دولار، وأن مفاوضات مطولة جرت بهذا الشأن فى الدوحة، خلال الأسبوعين الماضيين، وأن قطر عرضت فى نهاية المفاوضات أن يجرى التحويل على دفعتين فقط، بدلاً من أربع، وهو ما رفضته القاهرة تماماً.
وبطبيعة الحال فسوف يجد غير الاقتصاديين صعوبة فى فهم هذا الكلام، ولذلك فما هو مهم هنا أن نتجاوز عن هذه التفاصيل، ذات الطابع الاقتصادى المحض، وأن نتوقف فقط عند المعنى السياسى للقرار، ثم نتأمله.
إذ ليس سراً أن مصر فى حاجة إلى كل دولار هذه الأيام، وأنها تواجه أزمة اقتصادية منذ ما بعد ثورة 25 يناير، وهى أزمة تجعلنا بطبيعتها أحرص الناس على البحث عن كل ما ينمى الاحتياطى النقدى من العملة الصعبة فى البنك المركزى بأى مقدار، لا أن نتخذ قراراً يؤدى إلى نقصانه بهذا القدر الكبير.
وليس سراً أيضاً أن صافى هذا الاحتياطى قد انخفض، ووصل إلى 18.9 مليار دولار، بعد رد الوديعة، وهو ما أعلنه «المركزى» فى صحف الأمس.
وليس سراً كذلك أن هذا الاحتياطى كان يقترب من الأربعين ملياراً، يوم قامت ثورة 25 يناير، وأنه راح يتناقص يوماً بعد يوم، منذ تلك اللحظة إلى أن قامت ثورة 30 يونيو، وهو عند حدوده الدنيا لولا أن عوناً كريماً من السعودية، والإمارات، والكويت قد جاء ليرتفع به من جديد، ويصل به إلى هذا الرقم المطمئن على كل حال.
كل الأسباب الاقتصادية المجردة كانت تدفع حكومة الدكتور الببلاوى إلى قبول الوديعة، أياً كانت شروطها، وكل الظروف المادية الصعبة الحالية كانت تميل بالحكومة فى اتجاه الموافقة على التحويل، حتى ولو كان ذلك سوف يؤدى إلى شىء من التنازل أو المرونة من جانبها.
غير أن هذا كله لم يحدث، واختارت الحكومة أن تحافظ على كبريائها الوطنى فى وقت صعب، حتى ولو أدى ذلك إلى رد 2 مليار دولار مرة واحدة إلى الشقيقة قطر.. ولذلك فإننى أدعو الـ90 مليون مصرى إلى أن يقفوا أمام هذا القرار طويلاً، وأن ينحنوا له احتراماً، أطول وأطول، وأن ينتبهوا بكامل قواهم إلى أن القرار إذا كانت وراءه أسباب فنية بحتة، فإن البعد السياسى فيه شديد الاحترام، فالدول مواقف، وقد اختارت مصر هذه الدولة العظيمة، أن تتخذ موقفاً من حق كل مصرى وطنى أن يزهو به ويفخر، وأن يرفع بسببه القبعة، إجلالاً وتوقيراً لمنصور، والببلاوى، والسيسى معاً.
نقلاً عن "المصري اليوم"