سليمان جودة
سوف أروى لكم هذه الواقعة، ثم أشير إلى معناها.ففى 10 سبتمبر الماضى قام ستة من الرجال بالسطو على محل ساعات فى المنامة عاصمة البحرين، وحصلوا من المحل على كل ما خف وزنه، وارتفع ثمنه، ثم لاذوا بالفرار!الرجال الستة لم يذهبوا إلى موقع الجريمة بملابسهم التى يظهرون بها فى العادة بين الناس، وإنما ارتدوا ملابس سيدات، ثم وضع كل واحد منهم نقاباً فوق رأسه، ودفع أحدهم عربة أطفال أمامه للتمويه والتغطية على الهدف الحقيقى الذى من أجله اقتحموا المحل الضخم، وجردوه من كل محتوياته!وكان من الواضح أن لجوءهم إلى التخفى بهذه الطريقة يرجع إلى أنهم كانوا يعرفون مسبقاً أن المكان يضم كاميرات حديثة تراقب أى حركة فيه وتسجلها أولاً بأول، ومع ذلك فإن حماقتهم دفعتهم إلى المغامرة!وقد كان أول شىء بدأ به بوليس المنامة أنه أفرغ الكاميرات مما فيها، ثم راح يطالع الصور ولأنها كاميرات أمنية حديثة جداً، فقد سجلت الواقعة بالتصوير البطىء، ورصدت كل التفاصيل بدقة غير مسبوقة، وليس أدل على ذلك إلا أنها استطاعت أن تلتقط بعض ملامح الرجال الستة، رغم أنهم كانوا يغطون وجوههم تماماً!وحين تتطلع أنت إلى صور الجريمة التى نشرتها صحف البحرين، أمس الأول، فسوف لا تعرف ما إذا كان هؤلاء الأشخاص الموجودون فى كل صورة رجالاً أم نساء إلا حين تقرأ التعليق المكتوب تحت كل صورة، والذى يوضح لك أنك أمام ستة لصوص بملابس نساء!من خلال بعض الملامح التى التقطتها كاميرات المكان استطاع البوليس أن يتصور شكل كل واحد من المجرمين الستة، وأن يعمم بهم نشرة على الإنتربول الدولى، بعد أن عرف أنهم غادروا البلاد.. وفى أيام معدودة على أصابع اليدين، تم القبض فعلاً على أحدهم فى ألبانيا، وتبين أنه من «كوسوفو»، وبعده بلحظات، وقع اثنان آخران منهم فى قبضة الشرطة.فما المعنى؟!.. المعنى أن هذه القصة المذهلة يجب أن توضع بكاملها أمام الداخلية المصرية، وأن تأخذ منها الدرس الأهم، وهو أن الأمن بمعناه الحديث لم يعد يعتمد على كثافة أفراد الشرطة الذين يحيطون بأى موقع لحراسته، ولا حتى على المدرعة التى قد تستقر على باب الموقع ذاته، وإنما يعتمد بالدرجة الأولى على مثل هذه الكاميرات، التى تستطيع أن تأتى بالمجرم ليس فقط من البلد الذى ارتكب جريمته فوق أرضه، وإنما من ألبانيا فى أقصى شرق آسيا!مرة أخرى.. لن نستطيع قطع الطريق على الذين يريدون أن يعبثوا بأمن بلدنا، إلا إذا أيقن كل عابث أن حركته مرصودة ومسجلة، وأن كاميرات كهذه سوف تأتى به من قفاه.