سليمان جودة
قرأت تصريحاً للواء عبدالله الزهرانى، قائد مركز القيادة والسيطرة فى الحج، يقول فيه إن موسم الحج سوف يشهد هذا العام، لأول مرة، استخدام كاميرات رقمية متطورة يصل مداها إلى 60 كيلومتراً. وقال إن كاميرات من هذا النوع سوف تتواجد هذه السنة فى مواقع جديدة، وأن عددها وصل إلى 4200 كاميرا، وأنه تم ربطها جميعاً عبر شبكات محمية لا يمكن اختراقها.
وقد كنت أتساءل طوال أعوام طويلة مضت، ولابد أن غيرى كان يتساءل أيضاً، عن الطريقة التى تتمكن بها حكومة السعودية من ضمان أمن هذا العدد الضخم من الحجاج، الذى يتواجد كله فى مكان واحد، وفى توقيت واحد، وبأعداد تكاد تقترب من المليونين فى بعض الأحيان؟!
ولو تكلمنا عن وسائل الأمن التقليدية، التى تتمثل أساساً فى أفراد الشرطة، فإن أى جهاز شرطة فى العالم يعجز عن توفير الأمن المطلوب لهذا العدد الهائل من البشر، مهما بلغت أعداده كجهاز بوليس، ومهما كانت قدرات وكفاءات رجاله وعناصره.
ولذلك، فالحل هو ما أشرت إليه هنا من قبل مراراً وأعود إليه اليوم، لا لشىء إلا لأن كلام قائد مركز القيادة والسيطرة فى الحج يؤكده، وهو أن الأمن بمعناه التقليدى لم يعد مجدياً، أمام مهمات كبرى مطلوبة من جهاز الأمن فى هذا العصر على مستوى كل بلد.
وليس هناك للأمن بمعناه الحديث من وسيلة ناجحة سوى هذه الكاميرات التى تعتمد عليها حكومة المملكة السعودية، وهى كاميرات، كما نرى من كلام أحد مسؤوليهم، تصل فى قدرتها على الرصد والمراقبة إلى 60 كيلومتراً، أى أن كاميرا منها فى القاهرة قادرة على رصد أى جريمة تقع فى بنها، ومنعها من الوقوع أصلاً، أو على الأقل ضبطها فى لحظتها.
وفى تصريح أخير للواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، مع زميلنا أحمد موسى على قناة التحرير، قال إن ملف هذه الكاميرات موضع دراسة جادة عنده، ومحل تفكير طول الوقت، وإن التكلفة العالية لها ربما تكون هى العائق الوحيد فى ظروفنا الحالية.
ولو كنت مكان الدكتور حازم الببلاوى لكنت قد دبرت ما هو مطلوب لها بسرعة، ومن خلال الاقتطاع من ميزانيات أخرى تتراجع أهميتها بالضرورة أمام الحاجة إلى توفير أداة أمنية معاصرة كهذه يمكن أن توفر علينا الكثير من الجهد، ومن الوقت، ومن الاعتماد على الأدوات التقليدية دون جدوى.
الأمن، ثم الأمن، ثم الأمن.. وليست هناك أولوية أخرى يجب أن تسبقه فى قائمة أولويات الحكومة، من حيث الإنفاق العام عليه، ومن حيث الاهتمام، لأن عائده على المجتمع كله يفوق بكثير أى مبالغ يمكن تخصيصها له، وتوجيهها إليه.
لا يجب أبداً أن يشكو وزير الداخلية من ضيق ذات اليد فى هذا الشأن، وعلينا، كحكومة، أن نأخذ من أى بند فى الميزانية العامة للدولة، ونضيف لبند تحقيق الأمن، بمعناه الحديث، فهو وحده الذى يستأهل فى ظرفنا الحالى، وهو وحده أيضاً الذى سيكون عائده مضموناً، ومحسوساً عندى.. وعندك.
نقلاً عن "المصري اليوم"