سليمان جودة
حين مرت دول أوروبا الشرقية، فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، بما يشبه الربيع العربى عندنا، هذه الأيام، فإنها شهدت موجة من المظاهرات والاعتصامات، كانت فى مضمونها وشكلها أقرب ما تكون إلى ما تشهده شوارع وميادين بلدنا، منذ ما بعد 25 يناير 2011 إلى اليوم.
وقد روى لى أحد سفرائنا الذين خدموا هناك، كيف أن المتظاهرين أياً كان عددهم، وقد كانوا بالآلاف فى كل مظاهرة، كانوا إذا أحسوا بأن «الرسالة» التى خرجوا من أجلها قد وصلت إلى المسؤولين، انصرفوا من تلقاء أنفسهم، ثم، وهذا مهم للغاية، أعادوا بأيديهم المكان الذى تظاهروا فيه إلى ما كان عليه تماماً قبل تظاهرهم، من حيث نظامه ونظافته، ولذلك فإن تلك الدول قد عَبَرت مرحلة «الربيع» إلى ما بعده بسهولة، لأن أبناءها عرفوا ما يسمى فى العالم المتحضر بـ«ثقافة التظاهر».
أما ثقافة التظاهر هذه فتعنى أول ما تعنى أن يكون كل شخص قرر أن يخرج فى مظاهرة مدركاً، منذ وقت مبكر، أن التظاهر ليس هدفاً فى حد ذاته، ولا يجوز أن يكون كذلك تحت أى حال، وإنما هو أداة لتوصيل رسالة محددة إلى السلطة الحاكمة، وأن التظاهر لا يعنى أبداً الاعتداء على المنشآت العامة أو الخاصة، وإلا تحول من تظاهر مشروع، ومتاح، ومُرحب به، إلى شىء آخر تماماً خارج نطاق القانون.
هذا المعنى على بعضه أهديه إلى الذين يعترضون على قانون التظاهر، مرة، ثم أهديه إلى متظاهرى الإخوان مرة أخرى، لعل كل فريق منهم يكون عارفاً، منذ البداية، بحدود ما يجب أن يقوله أو يفعله.
فالذين يعترضون على القانون يتعين عليهم أن يفهموا، أن القانون يسعى إلى تنظيم التظاهر، لا إلى منعه، وهناك بالطبع فارق هائل بين الحالتين، وأظن أنهم سوف يكونون أكثر الناس تفهماً لحقيقة باقية، وهى أن التظاهر شأنه شأن أى شىء آخر فى مجتمعنا، لابد أن تكون له أصول مرعية وقواعد متبعة، فلا يتحول إلى صراخ عشوائى لا معنى له ولا هدف.
فإذا تجاوزنا ذلك إلى متظاهرى الإخوان، كان علينا أن ننبههم، ربما للمرة الألف، أنهم بمثل ما يتمسكون بحقهم فى التظاهر، فإن من حق الآخرين جميعاً فى المجتمع، ألا تضر ممارسة هذا الحق بمنشآتهم العامة والخاصة، بأى مقدار، لأن المظاهرات التى تتحول عن سلميتها، ولا تلتزم بما سوف يضعه القانون الجديد من أصول وقواعد، سوف تكون الآن، كما كانت فى أى وقت مضى، محل رفض عام، وسوف لا يكون لها من علاج، سوى تطبيق قانون التظاهر بحسم وبعزم.. لذا لزم التنويه، حتى يكون كل واحد فينا على بينة بحدود مسؤوليته عن قوله، أو فعله، فلا يذكر حقه وينسى حقوق الآخرين.
نقلاً عن "المصري اليوم"