سليمان جودة
لا يكاد الرئيس عدلى منصور يتحدث حتى يشير إلى التعليم، باعتباره أولوية مطلقة من أولويات حكومته الحالية، وقد فعلها مرات ومرات، وعندما خصَّ التليفزيون المصرى بحواره الأول فإنه وضع أمام عينيه وأمامنا بالضرورة أربع أولويات يعمل عليها، وكان التعليم واحدة منها.
ويتصور المرء، وهو يتابع كلام الرئيس، ويراقب أولوياته المعلنة، أن تكون هذه الأولويات واصلة بما يكفى إلى وزرائه ومحافظيه، وبالدرجة نفسها من الوضوح لدى رأس الدولة.
وحين سمعت الدكتور على عبدالرحمن، محافظ الجيزة، يتحدث على إحدى الشاشات قبل أيام أحسست بأن هناك مسافة مفقودة بين قناعات الرئيس وبين الذين نفترض فيهم أنهم يعملون من أجل ترجمة هذه القناعات إلى أفعال.
كان الدكتور على يتكلم عن أرض مطار إمبابة، وكيف أنه يتخيل أنها يمكن أن تكون مجالاً ممتداً لإقامة مولات تجارية على جزء منها ليبقى الجزء الآخر مطروحاً للاستثمار!
وقد شعرت ساعتها بأننا نبدو، منذ 25 يناير 2011، وكأننا ننفخ فى قربة مقطوعة، لسبب بسيط هو أن وجود مثل هذا التصور لدى السيد المحافظ عن أرض إمبابة معناه أن قناعات الرئيس لم تصل بعد إلى مرؤوسيه، وأنهم بدورهم لم يقفوا حتى الآن على موجة واحدة من الإرسال والاستقبال معه كرئيس.
ذلك أن الدكتور عبدالرحمن هو سيد العارفين بأن أى مطار يتقرر إخلاؤه بعد زحف الإسكان عليه فى أى دولة بالعالم فإنه لا يتحول إلى مولات ولا إلى فرص استثمارية أبداً، بقدر ما يتحول على الفور إلى رئة يتنفس من خلالها الناس.
وما يحدث بالضبط فى مثل حالتنا هذه أن الدولة تقرر تحويل أرض المطار إلى مدينة تعليمية متكاملة، فتقام فيها المدارس متناثرة بين الأشجار والحدائق، وتضرب الدولة، عندئذ، عدة عصافير بحجر واحد، وذلك بأن تنقل مدارس أحياء وسط البلد المزدحمة بطبيعتها إلى هذه الأرض الجديدة، فتكون بذلك قد خففت من ضغط المرور، وتكون قد وفرت الملاعب التى لا يعرفها الطلاب فى مدارسهم القديمة وتكون قد أحيت أرضاً معطلة، منذ سنين، وحولتها إلى حدائق تتخللها المدارس وتكون بالإجمال قد أسدت خدمة جليلة لجيل من أجيال المستقبل.
إذا كان محافظ الجيزة، وهو رجل مهندس فى الأصل، يرى أبناءه أو أحفاده وهم يذهبون إلى مدارسهم كل صباح بشق الأنفس فإن ذلك وحده يفرض عليه أن يستغل وجود مثل هذه المساحة من الأرض بين يديه، ويخلق منها متنفساً لمحافظته وللعاصمة إجمالاً، من ازدحام يكتوى به الملايين فى كل صباح، وإذا كان هو يرى طوابير الذاهبين إلى المدارس عند مطلع كل نهار فإن ضميره يحتم عليه أن يستخدم أرض المطار ليخفف من معاناة يراها على وجوه الأهالى وأبنائهم مع بداية كل يوم.
د. على.. أمامك أن تجعل من أرض مطار إمبابة مدينة تعليمية يتحدث عنها العالم، وأمامك أيضاً أن تخفف بها أعباء ضخمة عن العاصمة، وأن تنتشل بها كذلك آلافاً وآلاف الآلاف من طلابنا من وضع تعليمى سيئ أنت تعرفه إلى وضع آخر مختلف تماماً، نسعى إليه من سنين، ونريد أن نعرفه.
نقلاً عن "المصري اليوم"