سليمان جودة
قلت، صباح أمس، إن الأرض عندنا لاتزال ثروة مهدرة، لأن الدولة تتيح استخدامها أو امتلاكها لمن يريد بشكل عشوائى معقد، ولذلك فنحن أشد الناس حاجة إلى إنشاء بنك ينظم امتلاكها أو استخدامها، ويوم ينشأ هذا البنك الذى أتصور أن يكون اسمه «بنك الأرض» فسوف نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق نحو استغلال ثروة هائلة بين أيدينا لا نعرف قيمتها إلى الآن.
هذا عن الأرض التى نملك منها كدولة مليون كيلومتر مربع، والتى لو أحسنا تدبير أمرها بالطريقة التى أشرت بها، أمس، وأؤكد عليها، اليوم، فسوف نكون عندئذ من أغنى دول المنطقة، إن لم نكن أغناها.
فإذا تجاوزت مسألة الأرض مؤقتاً، فى هذه اللحظة، فسوف أكتشف معكم أن لدينا ثروة أخرى لا تقل قيمة أبداً عن الأرض، ولكنها مهدرة أيضاً مع كل أسف!
هذه الثروة هى النيل بامتداده من أسوان إلى الإسكندرية وبشاطئيه، وبالمساحات الممتدة على الشاطئين لألف كيلومتر أو يزيد، ثم بالجزر المتناثرة فى مجراه!
سمعت يوماً من صديق سمع بدوره من المرحوم كمال الشاذلى أن مسؤولاً أجنبياً زاره فى مقر الحزب الوطنى المطل على النيل، وأمسك بذراعه، ثم اتجه نحو النهر وهو يقول للوزير الراحل: لو كان نهر كهذا فى بلدى لغزونا به العالم تصديراً وزراعة وإنتاجاً!
ولا أحد يعرف بالطبع بماذا رد «الشاذلى» على المسؤول إياه، ولكن ما نعرفه أن «الشاذلى» لو كان حياً بيننا، اليوم، ثم زاره المسؤول نفسه فسوف يقول له الكلام ذاته، وكأن الزمن يمر على العالم إيجاباً، ويمر علينا سلباً فى كل الأحوال!
هذا النهر الخالد ثروة كبرى مثله مثل الأرض تماماً، وإذا كانت هى فى حاجة إلى بنك يحدد أولها من آخرها، ويعرف كيف ينتج مستفيداً من كل شبر فيها فهو - أى النيل - فى حاجة إلى إدارة خاصة به وحده لا تكون تابعة لأى جهة، لنستطيع عند نهاية كل عام مثلاً أن نحاسبها ماذا فعلت به وبماذا عادت منه على خزانة الدولة.
فكرة كهذه كيف تغيب عن رجل مثل الدكتور حازم الببلاوى؟!.. فهو رجل اقتصاد فى الأصل، وبالتالى فالمتصور أنه ينظر إلى كل شىء أمامه على أساس واحد هو: كيف يمكن أن يعود منه بأعلى عائد ممكن للدولة؟!
كنت أفكر فى أن إدارة للنيل يمكن أن تكون مشتركة بين وزارات السياحة والزراعة والرى، ثم تبين لى فى لحظة أن نزاعاً سوف يقوم بينها وبين بعضها، ثم بينها وبين غيرها بالضرورة، ولهذا فإن إدارة مستقلة تديره يمكن أن تحوله، لو شاءت، إلى منجم يدر ذهباً علينا فى كل صباح.. فمَن من المسؤولين بيننا لهذا المنجم الذى يحسدنا عليه العالم؟!
نقلاً عن "المصري اليوم"