سليمان جودة
لا أملك من ناحيتى إلا أن أشارك الدكتور مأمون فندى حزنه، على أن ابنته «نعمة» ذات العامين والمولودة فى لندن، لن تستطيع فى المستقبل أن تكون وزيرة فى بلدها، لا لشىء، إلا لأنها تحمل جنسية أخرى إلى جوار جنسيتها المصرية، المستندة إلى جنسية أبيها طبعاً!
المحزن أكثر، أن الدكتور مأمون عرف أن ابنته محرومة من هذا الحق، فى اللحظة التى كان قد ذهب بها إلى مركز يعلمها العربية فى العاصمة البريطانية، وبينما كان جالساً فى انتظار انتهاء درس اللغة التى تتلقاه هى، وكان يُسلِّى وقته بقراءة الصحف، فإذا به يكتشف أن البنت لن يكون فى إمكانها أن تخدم بلدها من موقع رسمى كهذا، حتى ولو كانت مؤهلة له، وكانت تصلح تماماً لأن تكون أفضل الوزيرات فى عصرها.. فالدستور الذى يوضع حالياً سوف يمنعها، اللهم إلا إذا كتب الله لنا، أن يتحلى بعض الذين يضعونه بنوع من سعة الأفق، بما يجعلهم يكتبون دستوراً يأخذنا بمواده كلها إلى الأمام، لا أن يعود بنا ببعض هذه المواد إلى الوراء!
والمقصود بالوراء هنا، أننا يجب أن ننتبه بجميع حواسنا إلى أن محمد على باشا، حاكم مصر قبل 200 سنة، كان يأخذ أبناءها البسطاء ثم يرسلهم إلى باريس، وإلى غيرها ليتعلموا هناك، ثم يعودوا ليكونوا فى خدمة بلدهم، ولم يكن يخشى عليهم طبعاً، لا جنسية أخرى، ولا غيرها، وإنما كان كل همّه أن يرجع هؤلاء الذين استناروا فى الخارج، ليضيئوا عقول مواطنيهم فى كل أرجاء البلد.
هل يصدق أحد أن نصاً كهذا لو بقى فى الدستور، سوف يمنع رجلاً من نوعية محمد العريان - مثلاً - من أن يتولى موقع الوزارة فى بلده، مع ما نعرفه عن العريان، من أنه مصرى ابن مصرى، وأنه واحد من أهم الاقتصاديين فى العالم هذه الأيام، ولكن مشكلته مستقبلاً، أن دستور 2013 سوف يمنعه، اللهم إلا إذا تغلب العقل على ما سواه، داخل لجنة صياغة دستورنا فى لحظاتها الأخيرة، وهى تضع النص النهائى!
ففى وقت من الأوقات، كان المهندس رشيد، وزيراً فى حكومة نظيف، وكان واحداً من أكفأ الوزراء، وقد تمنيت لو أنه رئيس لحكومة مصر فى الوقت الحالى، أو وزير فيها على أقل تقدير، وفى كل الأحوال، فإن جنسيته غير المصرية التى يحملها لم تمنعه من الإخلاص لبلده، ولا من تقديم أفضل ما عنده له، عندما كان فى الحكومة، ولن تمنعه فى مقبل الأيام، لو أن الله أراد له أن يعود إلى موقع من مواقع المسؤولية مرة أخرى، ولو أن الذين يحكمون البلد حالياً، انتبهوا إلى أنه لا يجوز أن يكون الرجل مستشاراً لأكثر من حكومة فى أكثر من بلد فى المنطقة حولنا، ثم يكون بلده محروماً من جهده، وطاقته، وعقله!
وبالمناسبة، فإن نعمة مأمون فندى، تستطيع فى إنجلترا، أن تتولى الموقع ذاته، الذى يحرمها منه دستور بلدها، فلا تكونوا فى لجنة الدستور ملكيين أكثر من الملك نفسه.. وملك ماذا؟! ملك إنجلترا بجلالة قدرها!
نقلاً عن "المصري اليوم"