سليمان جودة
ما يميز الدكتورة غادة شريف فيما تكتبه فى «المصرى اليوم» يومى الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع أنها تتمتع بدرجة عالية من القدرة على السخرية من أوضاع مائلة تراها حولها فى المجتمع، وهى توظف سخريتها مع خفة دم لا تخطئها عين فى محاولة تقويم أمور سيئة كثيرة لا يجوز أن تبقى على سوئها بعد ثورتين!
وحين تتجاوز انتقاد الأوضاع إلى الأشخاص فإنها تقسو عليهم أحياناً دون مبرر، وترميهم بسهامها النافذة دون رحمة، فيبدو كل واحد فيهم بين يديها والحال هكذا وكأنه متهم صدر فى حقه حكم نهائى بالإدانة التى لا تحتمل النقض ولا الإبرام.
حدث هذا من جانبها من قبل مع عمرو موسى على سبيل المثال، وبدا الرجل فى سطورها مجرداً من كل شىء جيد، يمكن أن يكون قد أنجزه على مدى حياته، ولم أكن من ناحيتى ضد انتقاد «موسى» أو غيره، فجمعينا بشر والبشر خطاؤون بطبعهم، وإذا اختار أحدهم أن يتعرض للعمل العام فليتحمل ما سوف يُقال عنه وما سوف يواجهه وما سوف يراه مكتوباً أو مذاعاً عنه فى كل صباح.
غير أن هذا شىء، وتجريد الشخص من كل شىء جيد يمكن أن يكون قد فعله، ولو بطريق الخطأ، شىء آخر.. فعمرو موسى له أخطاؤه التى قد لا ينكرها هو نفسه، غير أنه فى الناحية الأخرى رمز سياسى معتبر فى حياتنا، وهذا ما يجب أن نراعيه إذا ما قررنا أن نتعرض لشىء قاله أو قرره ولم يعجبنا.
وما يقال عنه يقال عن الدكتور جورج إسحاق الذى ناله ما ناله من غادة شريف مؤخراً، رغم أنه كان أسبقنا جميعاً فى حمل رأسه على كفيه أيام مبارك حين أسس حركة «كفاية»، وصاح بشعارها فى وجه الرئيس الأسبق، وكان وهو يفعل ذلك يعرف أنه يمكن أن يفقد حياته فى مقابل ما يفعله، ولكنه مع ذلك لم يتوقف ولم يتراجع ولم يساوم، وهو ما يُحسب له قطعاً، ثم إنه يشفع له إذا ما أقدم فى أيامنا هذه على شىء لا نوافقه عليه.
وما هو أهم أنى أرى فى هذا الرجل رمزاً مصرياً قبطياً أصيلاً، بمعنى أنه فى الأيام التى تصدى فيها لرغبة «مبارك» فى البقاء فى الحكم إلى النهاية أو توريث ابنه من بعده، كان - أقصد جورج إسحاق - يمارس ما يمارسه بامتداد سنوات دون سعى من أى نوع نحو مصلحة أو غرض أو هوى على أى مستوى لا لشىء إلا لأنه كان هناك شىء واحد يحركه فى كل أحواله هو مصريته الخالصة التى لا ينازعها فى أعماقه أى منازع آخر فى أى اتجاه، وهذا فى حد ذاته أمر مضىء للغاية فى حياته.
ما أريد أن أقوله اختصاراً أن فى حياتنا رموزاً قليلة، ولأنها قليلة فإننى لا أطلب أن نتوقف عن نقدها، وإنما أطلب - فقط - الترفق بها!
نقلاً عن "المصري اليوم"