سليمان جودة
مضيق البوسفور، فى مدينة إسطنبول التركية، أصبح موضوعاً لخبر فى أكثر من صحيفة هذه الأيام، أما السبب فهو أن خطاً للسكة الحديد قد امتد فى نفق أسفل المضيق، ليربط بين شاطئ المدينة الأوروبى وشاطئها الآسيوى!
الربط بين شاطئى المدينة ليس هو موضوعنا هنا، رغم أنه لا يربط بينهما فقط، وإنما يتجاوز ذلك، ليجعل راكب القطار من لندن قادراً على أن يواصل رحلته إلى بكين فى عمق الصين!
موضوعنا الذى أريد أن ألفت الانتباه إليه فى غمرة ما يجرى هو شاطئ المضيق فى إسطنبول الذى يقع تارة فى ناحية أوروبا وتارة أخرى فى ناحية آسيا، وفى الحالتين فإنه يمثل مصدر دخل بلا حدود للخزانة العامة التركية، لا لشىء، إلا لأن الحكومة هناك عرفت وتعرف كيف توظفه جيداً، وكيف تستثمر فيه كما يجب، وكيف تجعله جاذباً للسائح، وللمواطن معاً، فى كل وقت.
وبطبيعة الحال، فإن مضيقاً هذا هو حاله، لابد أن يستدعى إلى أذهاننا بالضرورة حال نهر النيل الذى يفصل بين القاهرة، فى اتجاه، وبين الجيزة، فى اتجاه آخر.
لا أتحدث عن الجزر الممتدة فى مجرى النهر من أسوان إلى الإسكندرية، فهذا موضوع مختلف سوف أعود إليه، ولكنى فقط أريد أن أقارن بين شاطئين هنا، وبين شاطئين هناك، ثم بين استثمار على أفضل ما يكون فى تركيا، لكل شبر فى الشاطئين معاً وبين شاطئين عندنا لايزالان أرضاً مستباحة لكل من يريد أن يفعل ما يجول بخاطره، دون أن يكون ذلك كله محكوماً برؤية مسبقة تهدف إلى أن يكون الشاطئ مزاراً للملايين من السياح والمواطنين بامتداد العام.
راقب أنت شاطئ النهر الخالد من شبرا إلى المعادى، على الجانبين، وسوف ترى أن نادياً عشوائياً قد أقيم هنا، وأن مركباً سياحياً قد رسا هناك، دون تنظيم ولا ترتيب، ثم حاول أن تحصى كم سائحاً يأتى من بلده ليقصد النيل فى الأصل، وسوف تكتشف وقتها أن نيلنا الذى تحسدنا عليه سائر الدول، لايزال مجرد مجرى للماء يجرى فيه من جنوبه إلى شماله، وكأنه ترعة كبيرة.. لا أكثر!
أريد أن أقول إن حضور البوسفور فى وسائل الإعلام فى الوقت الحالى، يجب أن يكون فرصة متجددة نذكر من خلالها أننا لم نضع النيل على خريطة الاستثمار بعد، وأننا مقصرون فى هذا الاتجاه، بما لا يجوز ولا يليق، وبما يجعل من شاطئ النهر، فى العاصمة خصوصاً، وفى البلد عموماً، ثروة مهدرة حقاً. فهل يقيض الله تعالى لنيلنا الممتد لألف كيلو متر، رجلاً، يعوِّض تقصيرنا الطويل إزاءه فى حق أنفسنا مرة، قبل أن يكون تقصيراً فى حقه المجرد كنهر مرات؟!
هى مسألة لا تحتمل التأجيل ولا الانتظار.
نقلاً عن "المصري اليوم"