سليمان جودة
إذا كان هناك شىء حقيقى سوف يُحسب للجنة الخمسين المكلفة بتعديل دستور الإخوان الصادر عام 2012، فهو أنها تتعامل مع التعليم باعتباره قضية وطنية مجردة فى المقام الأول.
وإذا كان للجنة، بأعضائها الخمسين الموقرين، أن تضع شيئاً محدداً أمام عينيها، فهذا الشىء هو أن الرئيس عدلى منصور لم يشأ أن تفوته أى مناسبة إلا وراح يؤكد فيها على أن التعليم يمثل أولوية من أولويات حكومته الحالية، وأنه لا يسبقه فى قائمة الأولويات سوى الإصرار أولاً على إقرار الأمن، بمعناه العام فى البلد، ثم دعم الاقتصاد بكل وسيلة ممكنة، وقبلهما الالتزام المسؤول بالسعى نحو تنفيذ خريطة الطريق، التى رسمها بيان 3 يوليو الماضى بعد ثورة 30 يونيو.
إذن، فالتعليم عند رئيس الدولة يمثل أولوية حاضرة، وهو - كقضية ثم كأولوية - يأتى فى مرتبة واحدة مع الأمن، والاقتصاد، وخريطة الطريق سواء بسواء.
وقد قالها الرجل كثيراً ومراراً، ولسنا نبالغ حين نقول بأن هذه هى المرة الأولى التى يخرج علينا فيها رئيس الجمهورية وقد حدد أولوياته جيداً، ثم إنه - وهذا هو الجديد تماماً فى الموضوع - قد وضع التعليم فى العمق منها.
شىء كهذا، أتصور - مع غيرى - أن لجنة الخمسين بالعقول الكبيرة فيها، تعيه تماماً، وتعرف كلجنة دستور أن عليها أن تترجمه إلى فعل وإلى نصوص مكتوبة.
والمتصور أن اللجنة سوف تتفاعل مع التعليم على النحو الذى يجعل مدارسنا وجامعاتنا تتطلع إلى كل تلميذ أو طالب فيها بوصفه مصرياً، وفقط، فلا يحس الطالب، وهو فى الفصل، أو فى قاعة الدرس، أنه مسلم - مثلاً - وأن زميله الذى يجلس إلى جواره قبطى. لا.. لا يتعين أبداً أن يتسرب شعور من هذا النوع إلى أى طالب أو تلميذ فى ظل دستورنا الجديد، وحين يحدث هذا، وعندنا أمل كبير فى حدوثه على أيدى هذه اللجنة، فسوف يكون التعليم عندها موحِّداً بين أبناء البلد الواحد، لا مفرِّقاً بينهم تحت أى صورة فى المدرسة، أو فى الجامعة، وسوف ينتج عقولاً متحررة لا متطرفة أو متشددة.. فالمفهوم أن التعليم، فى أى من مراحله، لا ينحاز مع دين ضد دين، ولا إلى تيار فى مواجهة تيار، وإنما يحرص على أن يخرج التلاميذ والطلاب جميعهم من دروسهم وهم ممتلئون يقيناً بأنهم مصريون وكفى.. وأن العلم لا دين له، وأنه لا شىء أبداً يعلو فوق مصرية كل واحد فيهم.
وأتخيل أن إخواننا السلفيين فى اللجنة سوف يتحلون بالمرونة الكافية والمطلوبة إزاء قضية كهذه، وأن التاريخ سوف يكتب عنهم فيما بعد أنهم لم يخذلوا بلدهم، وأنهم ارتقوا إلى مستوى اللحظة التاريخية التى نعيشها، وكانوا على قدر المسؤولية.
نقلاً عن "المصري اليوم"