سليمان جودة
حين تطالع بعضاً مما يقال عنه، إنه بيان صادر عن الرئيس المعزول مرسى فى محبسه، لا تملك فى الحقيقة إلا أن تشفق على الرجل ثم على الذين نقلوا عنه بيانه، وسوف يكون الإشفاق على الطرفين مضاعفاً مرتين: مرة لأن رجالاً بهذه العقلية كانوا يحكمون البلد ويتحكمون فيه ذات يوم، ومرة لأنهم منفصلون عن الواقع بدرجة محزنة.
فالرجل لا يريد أن يفهم أن المصريين الذين ثاروا عليه وعلى عجزه وفشله ثم عجز وفشل جماعته هم الذين عزلوه، وأن الجيش المصرى العظيم لم يفعل سوى أنه انحاز إلى إرادة الجماهير الغاضبة فى هذا الاتجاه، ومع أن هذا يمثل حقيقة ساطعة كالشمس منذ ثورة 30 يونيو إلى اليوم، إلا أن «مرسى» وجماعته يتعامون عنها بطريقة تدعو إلى الرثاء ويصممون على ألا يروها، متناسين أن شخصاً أعمى إذا أنكر الشمس فى السماء فليس معنى هذا أنها غير موجودة، ولكن معناه أن المسكين مريض وفى حاجة إلى علاج!
وقد كان مرسى يصرخ طوال الفترة الممتدة من حبسه بعد الثورة إلى أن دخل القفص يوم 4 نوفمبر، وكان يقول فى صراخه إنه ممنوع من لقاء محاميه، فلما أرادت الأجهزة المختصة أن تقطع عليه المتاجرة بهذه الفكرة، ولما سمحت لمحاميه بأن يروه وفق لوائح السجن الموجود هو فيه إذا به يواصل ترديد أوهام وأحلام لم يعد أحد يعرف متى سوف يفيق منها!
ذلك أنه كان المتوقع أن ينقل عنه المحامون رأيه أو رده على التهمة التى يحاكم عليها أمام المحكمة، وكان الطبيعى أن ينقل عنه محاموه أنه ينكر التحريض على قتل متظاهرين أمام القصر الجمهورى يوم 5 ديسمبر الماضى، وأن الذين قتلوهم هم فلان أو فلان.. فهذا هو أصل الموضوع، وهذا هو ما كان عليه أن يتكلم فيه مع الذين زاروه، وهو ما لم يحدث مع الأسف، وراح المسكين يصور نفسه للناس على أنه معتقل سياسى وأنه مختطف، وأنه محتجز، وأنه.. وأنه.. إلى آخر هذه الدعاوى الفارغة التى لن تنتج شيئاً فى الدعوى - على حد قول أهل القانون!
إنه مسجون وهذه حقيقة، ثم إنه متهم فى قضايا جنائية عدة وهذه حقيقة أخرى، وقضاياه معروضة ومتداولة الآن فى المحاكم وأمام القضاء المصرى وحده وتلك حقيقة ثالثة.. وهكذا.. وهكذا.. ولكنه لا يريد أن يرى هذا كله ولا يريد أن يرى ملايين المصريين الذين احتشدوا ضده يوم 30 يونيو وحتى 3 يوليو وأقسموا على ألا يعودوا إلى بيوتهم إلا بعد خلعه وهو ما تم على أيديهم فعلاً، غير أنه يتجاهل ذلك الواقع الحى، ويتوقف فقط عند إزاحته هو وجماعته من السلطة، وكأن جناً من السماء قد أزاحه، وكأن المصريين لم يكونوا هم أصحاب تلك الخطوة العبقرية عندما استشعروا خطراً على مستقبلهم ومستقبل بلادهم.
بيانه التعيس يضعك أمام هذيان صادر عن رجل مخرف، وإذا كان لأحد أن ينصحه بشىء، فهو أن يتغطى جيداً إذا جاء لينام.
نقلاً عن "المصري اليوم"