سليمان جودة
فى مثل هذا اليوم بالضبط، من عام 1977، زار الرئيس السادات القدس المحتلة، ولم يكن، حين أقدم على خطوته الشجاعة، راغباً فى زيارة إسرائيل لمجرد أنها إسرائيل، أو لأنه كان يحبها ويموت فيها لا سمح الله، ولكنه كان يريد أن يسترد أرضه من المحتل، وكان يرى أن الزيارة سوف تكون طريقاً إلى استرداد الأرض، وبمعنى آخر، فإنه كان قد حدد هدفه جيداً، منذ أول لحظة له فى الحكم، ثم حدد الطريق بدقة إلى تحقيق ذلك الهدف، ومضى فيه دون تردد، بصرف النظر عما راح يقال عنه، وقتها، وبعدها.
وعندما خطب فى الكنيست الإسرائيلى، فإنه كان واضحاً للغاية فى شرح الهدف من مجيئه، وكيف أنه قد جاء للتفاوض من أجل إعادة جميع الأراضى العربية التى جرى احتلالها عام 67، وليس الأرض المصرية فقط.
وما حدث هو أن أصحاب الأرض غير المصرية قد خذلوه، سواء كانوا فى فلسطين أو فى سوريا، ولم يستجيبوا له، وقاطعوه، وعندما انعقدت جلسة المفاوضات فى «مينا هاوس» بالقاهرة، رفع الحاضرون العلم الفلسطينى على مائدة التفاوض، ولكن أصحابه غابوا، ولو حضروا لكان وضعهم اليوم غيره أيامها تماماً.
ولسبب ما أشعر بأن موقف جماعة الإخوان من خريطة الطريق المعلنة يوم 3 يوليو، هو نفسه موقف العرب من السادات فى 77.
فالخريطة دعتهم، منذ اللحظة الأولى، إلى أن يكونوا حاضرين، وكانت واضحة تماماً فى أنها لن تستبعد أو تقصى أحداً، ولم تضع شروطاً لأى حضور، ولكنها طلبت منهم أن يحضروا شأنهم شأن سائر القوى السياسية، رأساً برأس، ودون تفرقة.. فماذا حدث؟!.. انشغلوا بأشياء عجيبة من نوعية أن ما حدث فى 30 يونيو انقلاب وليس ثورة، ومن نوعية استعادة الشرعية التى كانت تحكم قبل الثورة، ومن نوعية عودة «مرسى».. وإن كانوا قد تخلوا عن هذا المطلب الأخير فى دعوة الحوار التى أطلقوها مؤخراً!
فماذا حدث للمرة الثانية؟!.. مضت الخريطة المعلنة فى طريقها، وأوشكت على الانتهاء من وضع دستور للبلاد، بينما «الجماعة» منخرطة فى أشياء من النوعية ذاتها التى كان العرب أصحاب الأراضى المحتلة قد شغلوا أنفسهم بها، فى مواجهة واقعية وصدق السادات معهم، ومع نفسه.
والنتيجة أن الأراض السورية التى كانت محتلة عام 77، لاتزال تحت الاحتلال كما هى، وأن ما هو معروض على أبناء فلسطين، اليوم، من الأرض يمثل 22٪ مما كان معروضاً عليهم فى ذلك العام، بينما عادت الأرض المصرية كاملة، وبهذا المنطق العملى فإن 36 عاماً أخرى يمكن أن تمضى، من الآن إلى عام 2049، كما مضت فترة مماثلة من 77 إلى هذه الساعة، ليكتشف الإخوان ومن معهم عندها، أن الثورة التى يسمونها انقلاباً قطعت أشواطاً فى طريقها، ولم تنتظر أحداً!
نقلاً عن "المصري اليوم"