سليمان جودة
سوف يلفت نظرك، إذا ما تجولت فى مدينة مونتفيديو، عاصمة أوروجواى، فى المساء، كما فعلت أنا طوال هذا الأسبوع، أن المدينة تفرض على نفسها حظر تجول تطوعياً، دون أن تفرضه عليها الحكومة، ودون أن يكون فيها من الأحداث ما يقتضى حظر التجول الإجبارى، الذى عرفناه نحن، منذ ما بعد ثورة 30 يونيو بأيام، إلى الرابع عشر من هذا الشهر.
فى العاشرة مساء، لا تكاد تجد أحداً فى شوارع وميادين المدينة، وتتساءل بينك وبين نفسك، والحال هكذا، عما إذا كان أهلها قد هجروها فجأة، بعد أن كانوا يملأونها نهاراً، أم أنهم من الذين يعودون إلى بيوتهم مبكراً، ويذهبون إلى فراشهم مبكراً أيضاً، شأنهم فى ذلك، شأن أبناء أغلب عواصم الدنيا؟!
وكنت، فى وقت حظر التجول، الذى دام شهرين أو ثلاثة، قد كتبت فى هذا المكان أقول، إن حظراً من نوع ما عرفناه، إذا كان قد أضر مصالح البعض، ممَنْ يعملون ليلاً، فإن له، على كل حال، إيجابياته، التى عرفناها معه، والتى لا يجوز أن نتخلى عنها بعد زواله.
ومن بينها، ما رأيته فى «مونتفيديو»، حيث يعرف الناس قيمة الوقت، فلا يهدره كل واحد فيهم، فى الشوارع، أو على النواصى، وإنما يدخره ليومه التالى، ليعرف فيه كيف يفكر بعقل أخذ نصيبه الكافى من النوم، وكيف يعمل بجسد حصل على حقه الواجب فى الراحة.
وقد كان كثيرون بيننا، قد بدأوا ينظمون حياتهم، أيام الحظر، على ألا يبقوا فى شوارع القاهرة، أو فى الشارع عموماً، إلى أوقات متأخرة، وكان الالتزام من جانب الجميع، بساعات الحظر، معناه أن فى إمكاننا إذا أردنا، أن نكون مثل باقى خلق الله، فى كل بلد متحضر، يعرف أبناؤه كيف ينامون فى وقت مبكر، ويستيقظون فى وقت مماثل، بما يجعل للوقت قيمة مضافة فى حياتنا.
والشىء الغريب، أن عندنا أحاديث صحيحة، عن النبى عليه الصلاة والسلام، تأمرنا بما لا نكون معه، فى هذا الاتجاه، فى حاجة إلى حظر، ولا غير حظر، ولكننا نكتشف، عند الجد، أن غير المسلمين، فى عواصم العالم، هم الذين يعملون بما أمر به الرسول الكريم، دون أن يعرفوا شيئاً عن رسالته، وهو بالضبط ما كان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى قد قال به، عندما ذهب إلى باريس للمرة الأولى، إذ وجد هناك - على حد تعبيره الشهير - إسلامًا بلا مسلمين، ووجد عندنا مسلمين بلا إسلام!
وحين فكر الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة السابق، فى غلق المحال فى الساعة العاشرة ليلاً، هاجت عليه الدنيا، ولم يستطع تنفيذ ما كان قد قرره، وتراجع عنه، ولو نفذه، لكان شيئاً يحسب له الآن. وإذا كان للدكتور حازم الببلاوى أن يأخذ فكرة عن «قنديل» فلتكن هى هذه الفكرة، لأن الذين زاروا أكثر من عاصمة، عربية أو أجنبية، والدكتور حازم من بينهم، يعرفون أنه لا توجد عاصمة فى أى بلد، تفعل ما تفعله القاهرة فى نفسها، وفى أهلها، وتستهلك كل هذا الحجم من الوقت، والجهد، والطاقة، ومعها الأعصاب، على امتداد 24 ساعة كاملة.
فى أيام الحظر دروس مفيدة، يجب أن يتعلمها الناس، وأن تقنعهم بها الحكومة!
نقلاً عن "المصري اليوم"