سليمان جودة
قضيت أسبوعاً فى أوروجواى، وتحديداً فى العاصمة مونتفيديو، ولابد أنها المرة الأولى التى تسمع فيها أنت عن عاصمة بهذا الاسم، ولكنك سوف تفاجأ، كما فوجئت أنا، بأنها تتفوق على القاهرة، فى نظافتها، وهدوئها وسيولة مرورها، رغم أنها مدينة كبيرة، وممتلئة بالسكان، ومكتظة بالبنايات.
وكنت فى كل خطوة أخطوها هناك، أسأل نفسى، شأن أى مصرى يجد نفسه فى عاصمة غير عاصمة بلاده: ماذا يارب ينقص قاهرتنا لتكون فى جمال، ونظافة، وهدوء، وسيولة مرور عواصم الدنيا؟!
وقد شاء الله تعالى أن أقيم فى تلك العاصمة البعيدة، فى الطابق الثالث والعشرين، من أحد فنادق وسط المدينة، ومن النافذة كنت ألقى نظرة فى كل صباح على الفضاء الممتد بلا حدود، وبلا سقف، وكان يلفت نظرى أن أسطح البيوت فى نظافة الشوارع تماماً، وأن الكراكيب التى تملأ أسطح عماراتنا لا تعرف الطريق إلى هناك، وكنت ألاحظ أن أطباق «الدش» التى تبدو عندنا وكأننا زرعناها بكثافة فوق كل عمارة، ليست موجودة عندهم، وإذا كانت فهى طبق هنا، وآخر هناك!
ولم يكن خافياً، على كل عين، أن سماء عاصمتهم صافية، وأنك إذا تطلعت إليها فى المساء، أو فى الصباح الباكر، فلن تقع على تلك الطبقة الكثيفة من التلوث، التى تلف القاهرة منذ فترة.
وإذا كنت أنت قد لاحظت أنى أتكلم فى أشياء من هذا النوع البسيط البديهى، وأنى كمن يقول إن 1 + 1 = 2، فإن عذرى أن هذه البديهيات لا تتوافر لنا، وأننا لا نزال نناقش ونجادل فيها، وأن غيابها عنا، فى حقيقة الأمر، ليس كله مسؤولية الحكومة وإنما هو مسؤولية الناس فى عمومهم قبل الحكومة.. أىّ حكومة.. وليس بالضرورة الحكومة الحالية.
وقبل أن يسارع أحد ويتهمنى بأنى أحمّل المواطن عجز حكومته، سوف أطلب ممن يطوف فى عقله خاطر من هذه النوعية، أن يسأل نفسه، عما إذا كانت مشكلة عدم نظافة شوارعنا مسؤولية الدولة، وحدها، أم أنها مسؤولية كل واحد فينا فى الوقت ذاته؟!
لقد رويت لكم، بالأمس، عن منظر السيدة التى تابعت أنا حركتها فى واحد من ميادين «مونتفيديو»، وكانت قد جاءت من بيتها تحمل مخلفات البيت فى كيس، ولم تقذف به على أول ناصية تصادفها، ولا فى عرض الشارع، كما يحدث عندنا كثيراً، ولكنها قطعت الميدان كله، حتى وصلت إلى صندوق قمامة كبير ومُغطّى فرفعت غطاءه، ثم ألقت فيه ما جاءت به، وأعادت الغطاء إلى ما كان عليه ثم انصرفت.
يأسف المرء حين يتكلم عن شىء كهذا، المفترض أنه تحصيل حاصل، وأنه مستقر لدينا، بما يجعل الكلام عنه استهلاكاً للوقت فيما لا يفيد، ولكنه ليس كذلك مع شديد الأسف، فلا تزال القاهرة، كعاصمة عريقة وجميلة، فى الأصل، تشكو فى كل ساعة من سوء سلوك غالبية أبنائها!
لا أبرئ المسؤول عنها أبداً، ولكن أدعوك إلى أن تتأمل حال عاصمتنا البديعة، فى أيام الإجازات الرسمية، لتكتشف أن مشكلتها فى جانب كبير منها، إنما هى مع أغلب سكانها، الذين إذا غابوا عنها، استردت جمالها!
نقلاً عن "المصري اليوم"