سليمان جودة
القصة القديمة معروفة، وهى تقول إنهم سألوا رجلاً مؤدباً للغاية، عن الطريق الذى مشى فيه، حتى وصل إلى أدبه اللافت للنظر، فراح يروى كيف أنه أخذ تهذيبه الشديد من رجل قليل الأدب، وقال: كان كلما فعل هو شيئاً.. تجنبته أنا!
من هذه الزاوية تحديداً، يجب أن ندير مرحلتنا الانتقالية الحالية، عند المقارنة بينها وبين مرحلة انتقالية سابقة، بدأت بالبرلمان، ثم بانتخاب الرئيس، وكان ختامها السيئ دستوراً وضعه الإخوان، للإخوان.. لا لمصر.. ولهذا سقط ولم يكن له ليعيش، ولا الذين وضعوه.
الآن.. علينا أن نستحضر قصة ذلك الرجل المؤدب، لنأخذ منها الدرس، فنتجنب كل ما حدث هناك، بعد 25 يناير 2011، ونجعل الترتيب اليوم، معكوساً على طول الخط، إذا ما قيس بما تم فى تلك المرحلة من خطوات ثلاث كانت مقلوبة تماماً.
كان عندنا فيها برلمان، فرئاسة، ثم دستور.. وفى لحظتنا هذه، لا مفر من أن يكون الترتيب هكذا: دستور، فرئاسة، ثم برلمان.
وإذا كنا قد أنجزنا خطوتنا الأولى، التى تمثلت فى دستور، وضعه هذه المرة مصريون، للمصريين، فلا يجوز أبداً أن تستبد بنا الحيرة، ونحن نسأل أنفسنا عن الخطوة التالية، هل هى برلمان أم رئاسة؟!.. فالعقل، والمنطق، والواقع، وكل شىء يتصل بها جميعاً، يقول بأننا فى أشد الحاجة إلى انتخابات للرئاسة أولاً، لسببين رئيسيين، أولهما أن ترتيب هذه الخطوة فى المرحلة الانتقالية الأولى كان سيئاً للغاية، وأدى إلى مجىء شخص من نوعية محمد مرسى إلى حكم البلاد، وسوف يأتى وقت فيما بعد، يتساءل فيه الذين سوف يؤرخون لتلك المرحلة، عن الكيفية التى أتاحت لشخص مثله، أن يحكم بلداً بحجم ووزن مصر، وسوف يرون، عندها، أن ما حصل كان من سوء حظ هذا البلد فعلاً.
وأما السبب الثانى، فهو أن الرئيس عدلى منصور، لايزال يتعامل مع منصبه، على أنه منصب مؤقت، وكذلك الدكتور حازم الببلاوى، وهو خطأ شديد منهما، بل خطيئة، لأن بلاداً كمصر، لا يمكن أن تحتمل أن يديرها الجالسان فى أهم موقعين فيها، على أنهما مؤقتان، وأنهما سوف يمضيان إلى حال سبيلهما سريعاً.. إنه خطأ فادح نرى تداعياته فى كل ركن فى البلد، ومهما ناشدناهما، فإن المناشدات رغم صدقها لا تأتى معهما بنتيجة، ولذلك، فالحل ألا نتردد لحظة واحدة، فى أن تكون انتخابات الرئاسة أولاً، وأن تأتى برجل قوى، يعرف كيف يدير البلد، وكيف يعيد إليها الانضباط الغائب، وكيف يرفع مستوى الأداء فى كل اتجاه، وكيف يفرض الأمن فى أنحائها، وكيف يردع العابثين، وسوف يكون الشعب كله، فيما عدا الخارجين عليه، ظهيراً ونصيراً له، فى كل قراراته وخطواته.
مصر فى أشد الحاجة إلى رئيس قوى، كما أن حاجتها إليه، وإلى أن يملأ مركزه، تفوق بمراحل حاجتها إلى برلمان.. فما أكثر البلدان التى عاشت دون برلمان لسنوات.
نقلاً عن "المصري اليوم"